الداعية محمود شعبان وحفيدا الهضيبي ونجل أبوالفتوح. … لماذا يُحاكِم الانقلاب رموزا سياسية مُتباينة في توقيت واحد؟

- ‎فيتقارير

 

في مشهد سياسي لا يخلو من الرسائل المقصودة، مَثَلَ أمامَ محاكم أمن الدولة العُليا طوارئ في يوم واحد ثلاثةُ رموز تنتمي إلى تيارات إسلامية مختلفة، تتنوّع بين "السلفيّ" و"الإخوانيّ" ​​​​​​ و"ذي الخلفية الإسلامية"، وذلك في قضايا سياسية متشابهة التُهم، متزامنة في التوقيت، وتكاد تكون نسخةً مكررة من سِجل القمع الممتد منذ الانقلاب العسكريّ عام 2013.

ففي 10 يونيو، أُعيدت محاكمة أحمد أبو الفتوح، نجل السياسيّ عبد المنعم أبو الفتوح، أحد أبرز الأصوات المعارضة ذات الخلفية الإصلاحية المدنية الإسلامية، إلى جانب بدء محاكمة نجلي المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان حسن الهضيبيّ، ومحاكمة الداعية السلفيّ محمود شعبان، في قضايا مُتفرّقة، لكنها متطابقة في الشكل والمضمون.

عدالة استثنائية في توقيت سياسي حساس من حيث الشكل، فالقضايا الثلاث تُنظر أمام دوائر الإرهاب الطارئة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، وتعتمد في مُجملها على تحرّيات أمنية لا تخضع لرقابة قضائية فعلية، أما من حيث التوقيت، فتأتي المحاكمات بعد أسابيعَ فقط من تصاعد الانتقادات الحقوقية الدولية للنظام المصري، ومع تجدد الحديث في الأوساط الدبلوماسية عن الإفراج عن بعض السجناء السياسيين كجزء من محاولات تحسّين صورة النظام.

إلا أن السلطات قررت، بدلاً من ذلك، الدفع برموز جديدة إلى ساحة القضاء الاستثنائي، في ما يبدو أنه "رسالة ترهّيب سياسيّ" مُوجّهة ليس فقط للمعارضة، بل أيضًا إلى أطراف داخل الدولة قد تلوّح بإعادة ترتيب الأوراق.

قمع يساوي بين المُختلِفين

لضمان الولاء المطلق قد يبدو للوهلة الأولى أن النظام يساوي بين تيارات متناقضة: من السلفي محمود شعبان، إلى حفيدي الهضيبي الإخوانيَّين، إلى نجل أبو الفتوح، لكن الحقيقة الأوضح أن المستهدف هو كل من يُمثّل فكرة بديلة عن الحكم القائم، أياً كانت درجة اعتداله أو انفتاحه أو ابتعاده عن العنف.

يُحاكم محمود شعبان – رغم احتجازه طوال الفترة الزمنية التي تتهمه فيها السلطات بقيادة "لجان تكفيريّة" – باتهامات غير منطقية، تقوّض الرواية الرسمية نفسَها، أمّا نجل الهضيبي، المهندس أحمد وشقيقه الطبيب محمد، فيتمُّ "تدويرهما" بعد سنوات من الحبس الاحتياطي، في مسلسل يبدو مُصمماً لإبقاء مَنْ يحمل اسمًا مرتبطًا بالإخوان خلف القضبان إلى أجل غير مُسمى، حتى وإن لم تثبت عليه تهمةٌ فعلية.

وبالنسبة إلى أحمد أبو الفتوح، فإن استهدافه رسالة واضحة بأن أبناء من اختاروا طريق "الشرعية الدستورية" والعمل السياسي من داخل المؤسسات، ليسوا في مأمن من الانتقام، إذا ما بقوا متمسكين بمواقفهم المعارضة.

 

لماذا الآن إقدام النظام على هذه المحاكمات في هذا التوقيت بالذات؟، يعكس أكثر من مجرد استمرار منهج القمع، إنها محاولة لتفرّيغ المجال السياسي من أي مُنافس محتمل، ما يجري لا يمكن فصلُه عن استراتيجية أوسعَ تقوم على هندّسة المجال العام بالكامل، بحيث لا يبقى فيه سوى الصوت الواحد، الولاء الأعمى، وتغييب الذاكرة السياسية، ومع استمرار هذا النهج، تصبح المحاكمات أداةً ليس فقط لإسكات المعارضة، بل لمحوّ البدائل الممكنة، من أي لون كانت.