تواجه الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة انهيارا وتخريبا متعمدا بسبب الفساد وسرقة الأموال المخصصة للصيانة الأمر الذي أدى إلى تعطل أكثر من 90% من سيارات ولوادر ومعدات الهيئة وخروجها من الخدمة …هذا التخريب والفساد يدفع ثمنه المواطنون الذين يعانون غياب النظافة وانتشار مقالب القمامة فى كل مكان وبالتالي انتشار الأوبئة والأمراض .
العاملون فى الهيئة يئنون تحت وطأة ضغوط لا تنتهى، بسبب الفساد والإهمال بينما تتحمل الشوارع والمواطنون تبعات هذا التهاون المدمر، أرقام مهدورة، وآلات متوقفة، ووعود كاذبة تتكرر دون رادع أو محاسبة.
فى قلب ورش المعدات الثقيلة بالهراسات، تتكدس الحفارات واللوادر والبلدوزرات فى مشهد يختصر انهيار منظومة الصيانة داخل هيئة نظافة وتجميل القاهرة، الورش التى كان يُفترض أن تكون مركزًا لإحياء المعدات تحوّلت إلى ساحة خراب، والمعدات الثقيلة التى تمثل عصب العمل فى الشوارع والأزمات باتت مهجورة ومحملة على الطوب والحجارة فى صمت ثقيل يحمل العديد من علامات الاستفهام .
الفوضى الإدارية وتكرار صرف السُلف دون إصلاح فعلى يضع منظومة النظافة فى مهب الريح، ويكشف عن إهمال متعمد، فى وقت تحتاج فيه القاهرة إلى معدات نظافة قوية تعمل بكفاءة عالية لخدمة ملايين السكان.
ناس معدومة الضمير
فى هذا السياق كشف مهندس يعمل بالإدارة المركزية للإنقاذ داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل وإنارة القاهرة، عن انهيار كامل فى منظومة المعدات الثقيلة التابعة للهيئة، مشيرًا إلى وجود عشرات اللوادر والحفارات المعطلة داخل ورش الهراسات، فى ظل غياب تام لأى صيانة دورية أو رقابة حقيقية من رئيس مجلس الادارة أو الجهات المعنية.
ووصف الوضع داخل الشئون الفنية بـ«المرعب»، مؤكدًا أن الخوف خنق العاملين داخل الهيئة، وسط مناخ يسوده التخويف والتحويل إلى الشئون القانونية.
وأوضح أن الناس هنا مش مهملة فقط لا، دى ناس معدومة الضمير، مفيش مهندس قادر يفتح بُقه، الكل ساكت بالعافية من شدة الخوف، لأن اللى يتكلم مصيره النقل أو الإهانة أو الإقصاء .
وأكد أن مجمع الإنقاذ فى حلوان كان يضم أكثر من 200 سيارة جاهزة للعمل، أما الآن فلا يتجاوز عدد العربات العاملة 15 سيارة، فى حين تُركت باقى السيارات متهالكة ومركونة على الطوب و«البنادير» فى صورة مأساوية تعكس حجم الانهيار الذى وصل إليه القطاع داخل الشئون الفنية.
وأضاف: بنعدى قدام الجراجات أثناء صلاة الفجر، نشوف العربيات محطوطة على حجارة، والمعدات مرمية من غير أى اهتمام، الملايين اللى اندفعت فيها راحت فى الهوا بسبب الإهمال، محدش بيحاسب حد، واللى بيتكلم بيتفرم من مدير الشئون الفنية المحمية من رئيس مجلس الإدارة .
وأشار إلى أن الورش تحولت إلى ساحات خردة، والمعدات التى كان من المفترض أن تخدم المواطنين أصبحت عبئًا ، فى غياب شبه كامل للمحاسبة أو أى إدارة حقيقية تمتلك إرادة للإصلاح، قائلًا: المهندسين والموظفين والعاملين خلاص مستبيعة، مفيش أى نوع من أنواع القيادة، والمواطن هو اللى بيدفع التمن .
انهيار كامل
وقال مهندس بالشئون الفنية رفض ذكر اسمه : إحنا صوتنا اتحبس جوا الحيطان سنين، بس مش هنفضل ساكتين، وهنوصل صوتنا للصحافة الحرة والجهات الرقابية، يمكن حد يسمع ويوقف الكارثة دى، لأننا مش بنخسر معدات بس.. إحنا بنخسر أموال الدولة فى ظل ظروف اقتصادية طاحنة .
ووصف ما يحدث داخل الهيئة بأنه ليس مجرد إهمال إداري أو تراجع فني، بل انهيار مؤسسي كامل يستدعى تدخلًا عاجلًا من أجهزة دولة العسكر قبل أن يتحول الصمت المفروض بالقوة إلى خراب لا يُمكن إصلاحه.
شهادة وفاة
ميكانيكى فى ورش المعدات الثقيلة بالهراسات كشف حجم الكارثة الفنية التى تشهدها الورش، قائلًا: دى مش مجرد أعطال.. دى شهادة وفاة مكتوبة بخط الإهمال والتستر على جرائم فى حق الدولة والمواطن، وأضاف: الأعطال اللى بنشوفها بشكل يومى تشمل عمرات كاملة ماتعملتش، أعطال فى طلمبات الجاز، مشاكل فى أنظمة الهيدروليك، أعطال فى الكنترول، تلف فى جوان وش السلندر، وكاوتش متهالك محتاج تغيير شامل .
وتابع، المعدات المعطلة لا تمثل مجرد خسائر مادية، بل ضربة قاصمة للبنية التحتية للعمل الميدانى، موضحا أن المعدات تشمل حفارات متعددة الأنواع، لوادر موديل 966، لوادر كيس، لوادر 938، بوكات صغيرة، وبلدوزرات، وجميعها متوقفة تمامًا بسبب عدم توفير قطع الغيار أو إسناد أى عمليات صيانة جدية.
وأكد أن الورشة بقت مخزن خردة، مفيش صيانة، مفيش متابعة، مفيش قرار واضح بتحريك المعدات أو محاولة إنقاذها، المعدات اللى المفروض تكون فى الشارع بتخدم الناس، واقفة فى الورش مستنية الفناء.
وكشف الميكانيكى أنهم لو وفروا قطع الغيار بشكل حقيقى بدون استخدام قطع غيار مضروبة، واشتغلنا شغلنا الطبيعى، الورش تقدر ترجع 90% من المعدات للخدمة خلال شهور قليلة، مؤكدا أن العائق الحقيقى هو غياب الإرادة من الموظفة المسئولة عن الإهمال الفج دون محاسبتها من رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، وليس الإمكانيات.
ملف الصيانة
وأكد مهندس يعمل داخل ورش الإنقاذ المركزى، أن الإصلاح لم يتم فعليًا، رغم صرف سُلف لهذا الغرض، ما يعكس حجم التراخى والتلاعب فى ملف صيانة المعدات الثقيلة.
وأضاف أن تربوهات خاصة بمكنستين ظلت داخل الجراج دون أى تدخل أو إصلاح يذكر، إلى أن بدأ الحديث يعلو داخل الورشة بين العاملين، ليتم بشكل مفاجئ إخراج التربوهات يوم 26 مايو الماضى، مشيرًا إلى أن ذلك الإجراء مجرد محاولة لتهدئة الأصوات لا أكثر.
ووفقًا للمهندس، فإن خروج التربوهات مُثبت رسميًا على بوابة الورشة بتاريخه، مما ينفى تمامًا ما ورد فى المستند من أن الإصلاح تم فور صرف السُلفة، وتؤكد هذه الواقعة أن هناك حلقة مفقودة بين الصرف والتنفيذ، تستدعى فتح تحقيق فورى فى الملف، لمحاسبة كل مسئول تورط فى إهدار المال العام أو التستر على الإهمال المتعمد فى إدارة معدات الدولة.