محمد البشاري.. وجه فرنسي استقطبه التمويل الإماراتي بعد سقوط القذافي
لا ينبغي أن يمرّ تكريم نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، لمحمد البشاري، الفرنسي من أصول مغربية، الذي حصل قبل سنوات على الجنسية الإماراتية (على غرار وسيم يوسف)، دون قراءة ما وراءه. فقد مُنح البشاري جائزة تقديرية في القاهرة، باعتبار عياد مفتي مصر، اعترافًا بما وُصف بـ"جهوده الفكرية والدينية" في خدمة قضايا المسلمين وتعزيز التعاون بين المؤسسات الإسلامية، وفق ما نقل الإعلام المحلي.
حضور في القاهرة وأبوظبي
خلال فعاليات اليوم العالمي للفتوى بالقاهرة، قدّم البشاري بحثًا بعنوان: "الفتوى الطبية المعاصرة: من فقه النص إلى فقه المناط الحيوي"، مؤكّدًا أن "مقاصد الشريعة ليست منظومة تاريخية جامدة، بل أداة متجددة تضمن اتزان الفتوى بين حماية الإنسان وتمكين العلم النافع".
وفي مايو الماضي، ألقى محاضرة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بعنوان: "رؤية الإمام أحمد الطيب: التجديد الفقهي وتعزيز التعايش السلمي"، حيث اعتبر أن مشروع شيخ الأزهر "ليس مجرد تحديث للمفاهيم، بل رؤية متكاملة تضمن للإسلام حيويته وتجددّه المستمر".
رجل الإمارات في أوروبا
تقارير فرنسية مستقلة وصفت البشاري قبل سنوات بأنه "رجل الإمارات" الذي يقود مشروع السيطرة على مساجد المسلمين في الغرب، بعد أن أسّس بمعاونة مغاربة "المؤتمر الإسلامي الأوروبي"، وتولى رئاسته وأمانته العامة.
وفي وقت سابق، أقالت الحكومة المغربية رئيس أحد أكبر مساجد باريس على خلفية إفطار أقيم تكريمًا لوزير إماراتي، في سياق ما اعتُبر تنبّهًا لمحاولات أبوظبي التغلغل في الساحة الدينية.
مسيرة مثيرة للجدل
على مدى عقدين، عُرف البشاري كإمام لمسجد باريس الكبير، قبل أن يُطرد بسبب فضائح مالية. لاحقًا، حصل على سلسلة من الجوائز والتكريمات بعد تجنّسه بالجنسية الإماراتية وتوليه منصب الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة. ومن أبرزها:
– جائزة زايد للتعايش الإنساني – أبوظبي، تقديرًا لدوره في "تعزيز قيم الاعتدال والتعايش".
– وسام الشرف لمسلمي روسيا الاتحادية (2025)، من المفتي راوي عين الدين، وهو أعلى وسام يمنحه المجلس الروحي لمسلمي روسيا.
– تكريم من مؤسسات مغربية دينية وثقافية، باعتباره أحد أبناء المغرب الذين حققوا حضورًا دوليًا بارزًا.
– تكريم رسمي في أذربيجان لدوره في "تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان".
هذه الجوائز، بحسب تقارير، تؤكد أن البشاري أصبح واجهة إماراتية دولية يتم تقديمها كرمز لـ"الاعتدال" والدبلوماسية الدينية.
من القذافي إلى أبوظبي
يصفه كتّاب سعوديون بأنه "الثعلب" لتقلّبه السريع في المواقف. فقد كان من أبرز المقرّبين من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وتلقى تمويلًا منه، بل كتب تقارير لصالح السفارة الليبية في باريس. وبعد سقوط نظام القذافي، بحث عن داعم جديد حتى استقر في أبوظبي.
في عام 2005، عُزل من رئاسة الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا بعد قضايا تتعلق بالاختلاس والفساد المالي. ورغم ذلك، ظل حاضرًا في المشهد الإسلامي الأوروبي، متبنّيًا خطابًا يتماشى مع سياسات الدولة الفرنسية في مواجهة ما تسميه "الانفصالية الإسلامية".
شريك أمني–اجتماعي لفرنسا
قدّم البشاري نفسه كصوت "الاندماج والتعاون الأمني"، متجنبًا الاعتراض على قانون "الانفصالية الإسلاموية" الذي اعتبره كثيرون أداة للتضييق على المسلمين. واعتبرته الحكومة الفرنسية شخصية يمكن التعاون معها في إطار مكافحة التطرف، أقرب إلى "شريك أمني–اجتماعي" يقدّم خطابًا إسلاميًا متوافقًا مع قيم الجمهورية.
حصول البشاري على الجنسية الإماراتية يُفسَّر في سياق بحث فرنسا عن بدائل أكثر قبولًا من جماعة الإخوان المسلمين. وهكذا، تحوّل من رجل القذافي إلى واجهة إماراتية، ومن إمام مثير للجدل في باريس إلى شخصية تُقدَّم دوليًا كرمز لـ"الاعتدال" والتعايش، بينما يراه منتقدوه مجرد أداة في مشروع سياسي–ديني عابر للحدود.