في ذروة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، تتصاعد التساؤلات حول الدور الذي يلعبه نظام عبد الفتاح السيسي في دعم الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما عبر استمرار استيراد الغاز من دولة الاحتلال، في خطوة يراها مراقبون بمثابة تمويل غير مباشر للحرب على الفلسطينيين، وتكريسًا لانحياز فجّ ضد القضية الفلسطينية، رغم توفر بدائل عربية وإسلامية متعددة.
ففي الوقت الذي تُدمَّر فيه غزة، ويُحاصر أكثر من مليوني فلسطيني، تواصل القاهرة تنفيذ عقود استيراد الغاز الإسرائيلي، بما يوفر للاحتلال موردًا ماليًا ثابتًا يسهم في دعم آلته العسكرية. ويأتي ذلك رغم وجود بدائل واقعية وآمنة، أبرزها الغاز القطري والجزائري، فضلًا عن إمكانات التعاون مع دول عربية وإسلامية أخرى، دون الارتهان لدولة تمارس عدوانًا موصوفًا بحق شعب أعزل.
ويرى محللون أن إصرار النظام المصري على هذا المسار لا يمكن فصله عن طبيعة العلاقة السياسية والأمنية التي تربط القاهرة بتل أبيب، التي تجاوزت منذ سنوات حدود “السلام البارد”، لتتحول إلى شراكة استراتيجية تمس ملفات حساسة، على رأسها أمن الطاقة وأمن الحدود، ولو على حساب الثوابت القومية والتاريخية لمصر.
ويعود الأساس القانوني لهذه العلاقات إلى معاهدة السلام الموقعة في 26 آذار/ مارس 1979 بواشنطن، عقب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، التي نصت على إنهاء حالة الحرب، وتطبيع العلاقات بين الجانبين، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي الكامل من شبه جزيرة سيناء، مع الإبقاء على مناطق واسعة من سيناء منزوعة السلاح.
غير أن منتقدي النظام يؤكدون أن المعاهدة، رغم إلزاميتها القانونية، لم تكن يومًا تفويضًا مفتوحًا لدعم الاحتلال اقتصاديًا أو سياسيًا، ولا مبررًا للتخلي عن الدور المصري التاريخي تجاه فلسطين. ويشير هؤلاء إلى أن السيسي لم يكتفِ بالتمسك الحرفي ببنود المعاهدة، بل ذهب إلى توسيع نطاق التعاون مع إسرائيل ليشمل مجالات الطاقة والتنسيق الأمني، في وقت كانت فيه القاهرة قادرة على استخدام أوراق ضغط سياسية واقتصادية لدعم الشعب الفلسطيني، أو على الأقل الامتناع عن ضخ موارد مالية في خزينة دولة تشن حرب إبادة.
وبينما ترفع السلطة المصرية شعارات “الاستقرار” و“الالتزامات الدولية”، يرى معارضون أن ما يجري هو تفريغ للدور المصري الإقليمي من مضمونه، وتحويل مصر من طرف داعم للقضية الفلسطينية إلى شريك موضوعي في إدامة معاناة غزة، عبر سياسات اقتصادية تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم الأمن القومي المصري أو الإرادة الشعبية.
في المحصلة، لم تعد القضية محصورة في تفسير قانوني لمعاهدة مضى عليها أكثر من أربعة عقود، بل في اختيار سياسي واضح: إما الانحياز لوجدان الأمة وقضاياها المركزية، أو الاستمرار في سياسات تُقرأ إقليميًا وشعبيًا باعتبارها خيانة سياسية وأخلاقية لفلسطين، في واحدة من أكثر اللحظات دموية في تاريخ الصراع.