قال الكاتب الصحفي فهمي هويدي: إنه في الوقت صار التخوف من الإسلام والمسلمين عنوانا رئيسيا فى الفضاء الأوروبى، وصل صديق خان الذي ينتمى إلى أسرة باكستانية فقيرة مهاجرة لمنصب عمدة لندن.
وأضاف هويدي خلاله مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الثلاثاء، أن خصال صديق خان الشخصية وكفاءته التى أثبتها هى العنصر الرئيسى فى نجاحه. غير أن ذلك النجاح ما كان له أن يتحقق لولا البيئة الديمقراطية عميقة الجذور فى المجتمع البريطانى، التى حصنته إلى حد كبير أمام إعصار «الإسلاموفوبيا» الذى ضرب العديد من العوام الغربية، وكان رسوخ الديمقراطية فى إنجلترا وراء شيوع قيم التعددية والتسامح التى حين تربى عليها الناخب البريطانى، فإن ذلك أوصل صديق خان إلى ما وصل إليه، موضحا أن الرجل انتخب ليس لأنه مسلم، ولكن لأنه مواطن بريطانى كفء اقتنع الناخبون بأنه أجدر من منافسه بتولى منصب العمدية.
وأوضح هويدي أن من بين الأصداء في التعليق على نبأ تعيين خان عمدة لندن، ما اتسم بالخفة والسذاجة كذلك الذى حاول اقناعنا بأن العلمانية هى الحل وأن فصل الدين عن الدولة مفتاح التقدم، متجاهلا أن بشار الأسد اعتبر أن نظامه هو العلمانى الوحيد فى العالم العربى، وأن صدام حسين كان يفتخر بعلمانيته. كما أنه تناسى أن بريطانيا أقامت تصالحا بين الدولة والدين واعتبرت الملكة رئيسة الكنيسة. وقد بلغت ما بلغته لأنها تمسكت بالديمقراطية قبل العلمانية، أما الأصداء التى ركزت على سلوك الرجل وانتمائه المذهبى فهى من قبيل التنطيع الذى لا يستحق أن نضيع وقتنا معه.
وقال هويدي إن الملاحظة الأهم عندى أن انبهار بعض مثقفينا وقصائد الغزل التى دبجوها فى التعبير عن سعادتهم بالتعددية والتسامح البريطانى، ذكرنى بانبهار الباحثين الغربيين بمراحل الإشراق فى التجربة الإسلامية، ما يعنى أننا انبهرنا بحاضرهم بمثل ما انبهر الغربيون بماضينا.
ولفت هويدي إلى ما ذكره الأمير شكيب ارسلان فى مؤلفه "حاضر العالم الإسلامى" عن لقاء وزير عثمانى مع رجل دولة أوروبى، قال فيه الأول إن المسلمين مهما بلغ بهم التعصب فلم يصلوا إلى حد استئصال شأفة مخالفيهم من الملة، فى حين مرت بنا قرون كان بوسعنا ألا نبقى بين أظهرنا إلا على من أقر بالشهادين بحيث نجعل بلادنا صافية للإسلام، لذلك عاش بيننا النصارى ويهودو الصابئة والسامرة والمجوس. وكلهم كانوا وافرين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما أنتم معاشر الأوروبين فلم تطيقوا أن يبقى بينكم مسلم واحد. واشترطم عليه إذا أراد البقاء بينكم أن يتنصر، وقد كان فى إسبانيا ملايين وملايين المسلمين، وكان فى جنوبى فرنسا وفى شمال إيطاليا وجنوبها مئات العرب منهم، ولبثوا فى هاتيك الأوطان أعصرا مديدة، ومازلتم تستأصلون منهم حتى لم يبق فى جميع هذه البلدان شخص واحد يدين بالإسلام. ولقد طفت بلاد إسبانيا كلها فلم اعثر فيها على قبر واحد يعرف أنه لمسلم.
وأوضح أن ثمة تيار عريق من الباحثين المسلمين يعمل جاهدا منذ سنوات لصناعة نموذج فكرى يؤهل للتعايش والتسامح والتعدد والمواطنة والديمقراطية، من داخل المرجعية الإسلامية واعتمادا عليها، لكن الصراعات الدائرة حجبت ذلك الجهد وتعاملت معه بحساسية، إلا الذى أفسح المجال لتشكيل إدراك مشوه أصبح يسىء الظن بتلك المرجعية.
وقال هويدي: "أدرى أنه لم يعد مجديا أن تذكر بالذى مضى، لأن الاستبداد شوه كل شىء فى حياتنا وأعادنا قرونا إلى الوراء. من ثم فقد صار غاية مرادنا أن ندعه إلى مجتمع ديمقراطى حر تحدد فى ظله خياراتنا ونموذجنا الحضارى، ونستخلص من مرجعيتنا أفضل ما فيها لتحقيق التقدم المنشود على مختلف الأصعدة".