«5» دلالات مهمة على فوز قيس سعيد برئاسة تونس وهزيمة تحالف الثورة المضادة

- ‎فيتقارير

فرحة عارمة سادت الميادين والشوارع التونسية، أمس، مع بدء ظهور مؤشرات الفوز الكاسح (حوالي 76%) لمرشح الثورة أستاذ القانون الدستوري، الدكتور قيس سعيد بالرئاسة التونسية، ضد مرشح الدولة العميقة نبيل القروي، رجل المافيا والأعمال، والذي تحوم حوله شبهات فساد كبيرة.

هذه الفرحة امتدت إلى جميع ميادين وشوارع المنطقة العربية، ولكل المؤمنين بحق الشعوب العربية في الحرية والاستقلال، والتحرر من الاستبداد والأنظمة الفاشية القمعية التي تحكم بلادنا بالحديد والنار منذ عقود طويلة.

وبحسب الكاتب فراس أبو هلال، فإن "الاحتفال هنا ليس فقط بسبب خسارة كل مرشحي المنظومة القديمة في تونس، وليس فقط بسبب فوز مرشح مثّل خلال حملته الانتخابية كل شعارات الثورة والناس البسطاء الباحثين عن الأمل في البلاد العربية جميعها، ولكن أيضا لأن هذه الدولة الجميلة الصغيرة بحجمها، استطاعت أن تكون نموذجًا كبيرًا لإمكانية نجاح المسار الديمقراطي في المنطقة العربية".

ومع انتخاب قيس سعيد ممثلا بمبادئه وليس بشخصه لتطلعات الثورة، فإن الشعب التونسي يقدم بهذه الانتصار أملًا عظيمًا للشعوب العربية، ويقدم اعتذارًا رمزيًّا لمن ضحوا وما زالوا يضحون في دول عربية أخرى لتحقيق هذه التطلعات، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي دفع حياته ثمنًا للدفاع عن حق الناس باختيار حكامهم، ومئات آلاف الضحايا في سوريا وليبيا واليمن ومصر، بالإضافة إلى المعتقلين الذين لا يزالون ينظرون من وراء قضبان السجون المعتمة بشغف إلى شمس الحرية في كل البلاد العربية.

التجربة التونسية تعود ملهمة من جديد، فكما ألهمت الشعوب المجاورة بالثورة على الطغيان، ها هي تلهم الجميع بالتجربة الديمقراطية، فقد قامت الثورات الشعبية العربية ابتداء من تونس، وها هي تزهر من تونس من جديد، وتثبت أنه يمكن للعرب أن ينجحوا ببناء حكم رشيد كغيرهم من شعوب العالم، ولذلك فإن العرب جميعا مدينون لتونس وشعبها، لأنها منحتهم الأمل بأنهم يمكن أن يحلموا، وأن يحققوا بعض أحلامهم، دون أن تتحول هذه الأحلام لكوابيس دموية تأكل الأخضر واليابس.

دلالات فوز سعيد

الدلالة الأولى هي المشاركة الواسعة جدا في الانتخابات، والتي قد تتجاوز نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة السابقة، وهو ما يعطي إشارة للنخب السياسية بأن الشعب مستعد للمشاركة في الانتخابات إذا شعر بإمكانية التغيير، وأنَّ تراجع نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أيام من الدورة الثانية للرئاسيات لا يعني اليأس من العملية السياسية أو السلبية، ولكنه يَأسٌ من النخب والأحزاب التي شاركت في انتخابات البرلمان، فيما خرج الناس وخصوصا الشباب بأعداد كبيرة عندما شعروا أن أصواتهم قد يكون لها معنى إذا فاز قيس سعيد.

الدلالة الثانية أن انتخاب سعيد بهذه النسبة يعتبر تأكيدا لمبادئ الثورة التونسية وغيرها من الثورات الشعبية العربية، لأن الرجل رفع شعارات هذه الثورة وصوّت الناس له بناء عليها. وهو ما يؤكد أن المزاعم حول كفر الشعوب العربية بمبادئ التغيير والثورة هي مزاعم غير صحيحة، وأن الشعوب إذا مُنحت الفرصة فإنها ستكون قادرة على التقدم والانتقال الديمقراطي.

الدلالة الثالثة أن انتخاب سعيد بهذه النسبة الكاسحة يمثل ضربة للمنظومة القديمة في تونس، كما يشكل ضربة لما تبقى من "الدولة العميقة" والتجمعيين، وهو أشبه ما يكون باستفتاء شعبي على خسارة هذه المنظومة.

ويعطي هذا الانتخاب الكاسح مصدر قوة كبيرة للرئيس القادم قد تساعده حربه على الفساد وعلى محاولات المنظومة القديمة تعطيل التغيير في البلاد، ولكن هذه القوة لن تكتمل إلا بوجود حكومة قوية مدعومة بأغلبية مريحة في البرلمان، تتمسك بأهداف الثورة، وتعاون الرئيس في مهامه، وتبتعد عن المحاصصة والمكايدة السياسية، وإذا حصل ذلك فإن الرئيس مع الحكومة قد يستطيعان تحقيق ما فشلت الحكومات السابقة بعد الثورة بتحقيقه.

الدلالة الرابعة أن انتخاب سعيّد أيضا يعتبر رسالة قوية للأحزاب التقليدية التي فشلت جميعها بالوصول للدور الثاني من الرئاسيات. وإذا كانت حركة النهضة والحركات المنبثقة عن "نداء تونس" قد فشلت جميعها بالوصول للدور الثاني، فإن حركات يسارية تقليدية فشلت أيضا بتحقيق أي إنجاز يذكر في الانتخابات البرلمانية، ولذلك فإن حركة النهضة وبدرجة أكبر بقية الأحزاب مطالبة باستيعاب الدرس من هذه النتائج، ومحاسبة النفس بدلا من اتهام الشعب بالفشل والسلبية.

الدلالة الخامسة والأهم هي توجيه ضربة قاضية للثورة المضادة في هذا البلد. لقد راهن محور "الثورة المضادة" سابقا على دفع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لإقصاء حركة النهضة وغيرها من التيارات المؤيدة للثورة ولكنها فشلت في ذلك، وها هي اليوم تفشل بعد انتخاب رئيس بعيد كل البعد عن محورها، وقريب من مبادئ الثورات الشعبية التي حاربتها بشراسة. ومع انتخاب قيس سعيد ممثلا بمبادئه وليس بشخصه لتطلعات الثورة، فإن الشعب التونسي يقدم بهذه الانتصار أملا عظيما للشعوب العربية.

لقد كانت أحلام الشعوب العربية في ثوراتها العظيمة تتلخص بامتلاك حقها باختيار ومحاسبة ومعاقبة من يحكمونها، كما حصل اليوم تماما في تونس، ولكن الثورة المضادة حولت هذه الأحلام لكوابيس دموية وحروب أهلية.

فقد كان يمكن للشعوب التي ثارت في عامي 2011 و2012 أن تنتخب رؤساءها وتعاقبهم بالانتخابات التي تليها إذا لم يلتزموا بتعهداتهم، ولكن الثورة المضادة أرادت الانقلابات بدلا من الانتخابات، وأرادت الدبابات بدلا من الصناديق. وقد نجحت الثورة المضادة في تعطيل المسار الديمقراطي من خلال جريمة دعم الانقلابات والحروب الأهلية في بعض دول "الربيع العربي"، ولكنها بدأت تخسر منذ سنوات في عدة ملفات، وستخسر معركتها كاملة بدون شك، ولو بعد حين!.