تجددت أزمة الأموال الساخنة، حيث تعمل حكومة الانقلاب على جذب هذه الأموال لزيادة التدفقات الدولارية من خلال رفع أسعار الفائدة في الوقت الذي اتجهت فيه دول العالم إلى خفضها، ما أدى إلى ارتفاع تدفقات الأموال الساخنة على دولة العسكر، خاصة أن أصحاب هذه الأموال يريدون تحقيق ربح سريع ثم الخروج والهرب بأموالهم إلى مكان آخر .
وبسبب سياسة حكومة الانقلاب صعدت قيمة التدفقات في أدوات الدين الحكومية إلى نحو 40 مليار دولار مدفوعة بتكالب الأجانب على الاستثمار في أدوات الدين.
خبراء الاقتصاد من جانبهم حذروا من أن عودة الأموال الساخنة إلى السوق المصري، ينصب فخا أمام حكومة الانقلاب يجب الابتعاد عنه، وعدم استخدامها في تثبيت سعر الصرف،.
وأكد الخبراء أن الأموال الساخنة تمثل تهديدا للاقتصاد المصري، وتتسبب في حدوث أزمات مثلما حدث في فترة وباء كورونا .
وطالبوا بأن تكون هناك آلية لاستثمار الأموال الساخنة بما يحرك الاقتصاد، الأمر الذي يجعلها داعمة لاستقرار أسعار الصرف مشددين على ضرورة أن تكون دولة العسكر حذرة اقتصاديًا، لتجنب انخفاض سعر الصرف بنسب مرتفعة ومفاجئة حتى لا تتكبد وزارة مالية الانقلاب تكاليف تمويل مرتفعة.
سعر الفائدة
في هذا السياق كشفت مصادر بالبنك المركزي المصري أن إغراءات سعر الفائدة الأيام الماضية دفعت لمزيد من التدفقات المالية، مشيرة إلى وجود خروج ودخول للأموال الساخنة بمرونة شديدة يمولها البنك المركزي، فضلا عن انتعاش السوق الثانوية.
وأشارت المصادر إلى أن أسعار الفائدة على أدوات الدين قفزت ، إلى مستوى قياسي محققة 33% كحد أقصى، وقبلت وزارة مالية الانقلاب عروضا عند متوسط 30.4% مرتفعة من مستوى 26% في العطاءات السابقة.
الأسوأ على الإطلاق
واقترح الخبير المصرفي الدكتور هاني جنينة، أن تطرح وزارة مالية الانقلاب لمنع هروب هذه الأموال دفعة واحدة أذون أو سندات خزانة بعائد يصعد ويهبط مع ارتفاع وانخفاض الدولار أو ما يعرف بالـindexation.
وأعرب جنينة في تصريحات صحفية عن تخوفه من تخارج الأموال الساخنة من مصر دفعة واحدة، مؤكدا أن هذه الأموال من أسوأ أدوات التمويل إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق.
وأشار إلى أن هذه الأدوات تماثل الـinflation indexed bonds في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها indexed لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
ولفت جنينة إلى أن مميزات هذه الورقة تتمثل في أنها ستحد من أي تخارج حاد في حال تحرك سعر الصرف؛ لأن ما يخسره المستثمر في سعر الصرف سيتم تعويضه في إعادة تسعير الفائدة.
وشدد على ضرورة أن تكون دولة العسكر حذرة اقتصاديًا، لتجنب انخفاض سعر الصرف بنسب مرتفعة ومفاجئة حتى لا تتكبد وزارة مالية الانقلاب تكاليف تمويل مرتفعة.
وطالب جنينة بأن يكون هناك آلية لاستثمار الأموال الساخنة بما يحرك الاقتصاد، الأمر الذي يجعلها داعمة لاستقرار أسعار الصرف.
صندوق مستقل
وقال الخبير الاقتصادي، هاني توفيق: إن “الأموال الساخنة تعود إلى مصر لاستغلال فرق سعري الفائدة على الجنيه والدولار”.
وأضاف توفيق في تصريحات صحفية، أن الأموال الساخنة ليست شرًا بالضرورة، إلا إذا تم تكرار الأخطاء السابقة، وهي استخدام الحصيلة الدولارية لتثبيت أو تخفيض سعر الصرف لفترات طويلة أو تمويل مشروعات غير إنتاجية وطويلة الآجل، ويصبح صاحب الأموال الساخنة في هذه الحالة قد دخل وخرج من مصر بأرباح تعتبر هدايا مجانية، حيث لم يدفع أثناء خروجه ثمن تدهور سعر الصرف، وبما يعكس فرق التضخم أو سعر الفائدة بين مصر وأمريكا .
وشدد على ضرورة حصر الأموال الساخنة في صندوق مستقل له سقف محدد لتسيير حركة الصناعة والتشغيل، وفصلها عن احتياطي البنك المركزي تمامًا.
وأشار توفيق إلى أن أفضل استخدام للأموال الساخنة يكون في منح تسهيلات قصيرة الآجل للشركات لتحفيز الاستثمار ولتنشيط الإنتاج، وتشغيل العمالة، والتصدير، وخفض دوري تدريجي في قيمة الجنيه تماشيًا مع التضخم، وتلافي أخطاء الماضى.
مخاطرة
وقال الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: إن “الأموال الساخنة تعود مرة أخرى للاستفادة من سعر الفائدة العالية، محذرا من هروبها مرة آخرى بمجرد حصول أصحابها على فرصة ربح أكبر في بلاد آخرى”.
وأضاف «الدسوقي»، في تصريحات صحفية، أنه بالرغم من مزايا دخول هذه الأموال إلى مصر، إلا أنها تحمل الكثير من المخاطرة عند خروجها، خاصة إذا كانت دفعة واحدة مثلما حدث في عام 2022.
وأشار إلى أن الأموال الساخنة يجب استخدامها بشكل سليم ورشيد في مشروعات إنتاجية تصديرية؛ لتكون عائدا أساسيا للدولار نستطيع من خلاله تسديدها.
سداد الديون
وقال الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري: إن “الأموال الساخنة هي أدوات مالية معروفة سهل الدخول فيها وسهل الخروج منها، لأنها ليست مصنعا أو شركة أو استثمارا مباشرا”.
وأضاف «الإدريسي» في تصريحات صحفية أنه في السابق كانت حكومة الانقلاب تستخدم جميع مواردها من الدولار وأيضًا الأموال الساخنة في تثبيت سعر الصرف وهو أمر خطأ، مؤكدا أن أكبر غلط لحكومة الانقلاب هو تثبيت سعر الدولار لمدة سنة .
وأشار إلى أن الأموال الساخنة يعتمد عليها بشكل مستمر فهي جزء من مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد، لذلك يجب توجيهها في سداد الديون وأقساط الديون أو استيراد احتياجات مصر الأساسية من السلع الاستراتيجية.
وتوقع «الإدريسي» أن يصل حجم الاستثمارات في أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى أكثر من 20 مليار دولار الأيام المقبلة.
وتابع : إن حكومة الانقلاب طرحت سندات وأذون خزانة بمليارات الدولارات، خلال الفترة الماضية، ومع كل طرح ستجذب حكومة الانقلاب مستثمرين بأكثر من قيمة الطرح؛ لأن سعر الفائدة عال جدًا وهو من أعلى 5 دول في العالم، حيث ارتفعت الفائدة خلال عامين بقيمة 19% .