لماذا يلتزم السيسي الصمت؟ تحالف «أرض الصومال–إثيوبيا–إسرائيل» ومخاطر تطويق الأمن القومي المصري
في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، يتقدم ملف «أرض الصومال» من الهامش إلى صدارة التفاعلات الجيوسياسية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وسط تساؤلات متصاعدة في القاهرة: لماذا يواصل المنقلب عبد الفتاح السيسي الصمت إزاء ترتيبات إقليمية تمسّ مباشرة الأمن القومي المصري، وقناة السويس، وتوازنات البحر الأحمر؟
بربرة: الميناء الذي يغيّر المعادلة
تكمن خطورة المشهد في موقع ميناء بربرة الاستراتيجي، باعتباره أقرب نقطة ساحلية يمكن أن تربط إثيوبيا، الدولة الحبيسة، بالعالم الخارجي عبر ممر بري يصل إلى أديس أبابا، الميناء، الذي تديره شركة «موانئ دبي العالمية»، يضم أحد أطول المدارج الجوية في أفريقيا (أنشئ في الحقبة السوفييتية)، ما يجعله مؤهلاً للتحول إلى قاعدة جوية وبحرية قادرة على التأثير في جنوب البحر الأحمر وباب المندب.
هذا الموقع جعل بربرة محط أنظار القوى الكبرى؛ إذ ترى كل من الولايات المتحدة والصين فيه بديلاً استراتيجياً محتملاً لموانئ جيبوتي المكتظة بالقواعد العسكرية، وفي هذا السياق، تسعى واشنطن—التي أكد رئيسها دونالد ترامب أن «الاعتراف بإقليم أرض الصومال يحتاج إلى دراسة»—إلى منع بكين من ضم الميناء إلى مشروع "الحزام والطريق."
القلق المصري: ارتكاز إثيوبي–إسرائيلي بتمويل إماراتي
ما يثير القلق في القاهرة هو اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال على منح أديس أبابا منفذاً بحرياً وقاعدة عسكرية، في مسار يحظى بدعم إسرائيلي، بما يحوّل بربرة إلى نقطة ارتكاز إثيوبية–إسرائيلية بتمويل وإدارة إماراتية، تطور كهذا يضع مصر أمام معادلة تهديد مركّبة: حصار مائي محتمل، ضغط على الممرات الحيوية، وخلخلة ميزان القوة في البحر الأحمر، بما ينعكس مباشرة على أمن قناة السويس.
إزاء ذلك، كثفت القاهرة خلال عامي 2024 و2025 تنسيقها مع مقديشو وتركيا وجيبوتي لعرقلة الاتفاق، إدراكاً لخطورة تكريسه كأمر واقع.
أنقرة بين الوساطة والنفوذ
خلال الأزمة، لعبت تركيا دور الوسيط بين الصومال وإثيوبيا، في محاولة للحفاظ على نفوذها في مقديشو، ومنع تحويل بربرة إلى قاعدة منافسة لطموحاتها العسكرية في سواكن السودانية ومقديشو، وتلتقي المصالح التركية هنا مع الهواجس المصرية والسعودية من إعادة رسم الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.
لماذا القاهرة والرياض وأنقرة الآن؟
يرى سياسيون ومحللون أن اللحظة الراهنة تفرض تحالفاً ثلاثياً بين القاهرة والرياض وأنقرة، لا سيما مع تقاطع مواقفهم في ملفات إقليمية عدة، أبرزها أزمة السودان ودعم الجيش السوداني في مواجهة «الدعم السريع» المدعوم إماراتياً، وفي هذا السياق، جاءت زيارات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى الرياض والقاهرة، ثم إلى أنقرة، كرسائل سياسية متزامنة.
كما تشير الرسائل القادمة من تركيا إلى رفض الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال، وهو موقف تلاقت معه القاهرة والرياض، وقد تلقى وزير الخارجية المصري مواقف رافضة للخطوة من تركيا وجيبوتي، ما عزز قناعة مراقبين بأهمية بناء محور مصري–سعودي–تركي قادر على كبح التمدد الإسرائيلي في القرن الأفريقي.
مصالح متقاطعة وتحالف ردع
يؤكد خبراء أن مصر تحتاج إلى ظهير سياسي ومالي سعودي، وغطاء تقني تركي—خاصة في مجال المسيّرات—لمواجهة تحديات الحصار المائي والحدودي، في المقابل، ترى الرياض في القوة العسكرية المصرية «العمق الاستراتيجي» الأهم لحماية سواحلها الممتدة على البحر الأحمر (نحو 1800 كم) دون الارتهان الكامل لواشنطن، أما تركيا، فتجد في هذا المحور بوابة لتثبيت حضورها في الصومال وليبيا، وتسوية ملفات غاز شرق المتوسط.
وقد تُرجم هذا التقارب ميدانياً خلال 2025 عبر مناورات مشتركة مثل «تبوك 6» و**«النجم الساطع»** و**«الموج الأحمر 8»**، بالتوازي مع تأسيس «القوة البحرية المشتركة» في سبتمبر الماضي، في رسالة مصرية إلى أديس أبابا ورفض سعودي لأي تغيير قسري في جيوسياسية البحر الأحمر، كما استؤنف التدريب البحري المصري–التركي «بحر الصداقة»، ووقّعت اتفاقية لإنتاج المسيّرة التركية «تورخا» في مصر، وانضمت القاهرة كشريك صناعي إلى برنامج المقاتلة التركية من الجيل الخامس «قآن»، بما كرس المحور الثلاثي كقوة ردع إقليمية.
«رئة للاحتلال» وحزام ناري حول مصر.
على منصات التواصل، احتدم الجدل؛ إذ يرى الكاتب علاء عوض أن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال يمثل فصلاً جديداً في حرب السيطرة على الممرات المائية في بحر العرب، معتبراً باب المندب كابوساً استراتيجياً لتل أبيب، والبحر الأحمر «رئتها» الحيوية. ويذكّر بإغلاق الحوثيين للمضيق خلال حرب غزة، ما أدى عملياً إلى تعطيل ميناء إيلات.
في المحصلة، يبدو صمت القاهرة الرسمي محاطاً بأسئلة أكبر من مجرد تكتيك دبلوماسي، فالمشهد الإقليمي يتحرك بسرعة، وأي تأخر في بلورة موقف صريح قد يترك مصر أمام حزام ناري يضيق حول أمنها القومي، من منابع النيل إلى شواطئ البحر الأحمر وقناة السويس.