المدارس الدولية وسيلة الإمارات لخلق جيل مشوه للسيطرة على مصر

- ‎فيأخبار

تناولت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عدة تقارير عن وسائل سيطرة الإمارات على مصر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وتراوحت وسائل السيطرة بين التوسع في المدارس الدولية التي تضم أبناء الطبقات الغنية ولرجال الأعمال وقيادات الجيش والشرطة، وعبر الاستحواذ على شركات الأدوية والمستشفات الخاصة والأراضي الإستراتيجية للاستثمار ، بجانب الإنفاق ببذخ لشراء الولاءات السياسية والإعلامية والقنوات الفضائية.
وفي الفترة الأخيرة، تعددت شكاوى أولياء الأمور من أن الكثير من المواد المدرسية التي يتلقاها أطفالهم، بما في ذلك دروس الدين والتاريخ والجغرافيا، تستند إلى مناهج معتمدة من قبل الإمارات العربية المتحدة وليس من قبل مصر. وخاصة مادة التاريخ التي تهمش التاريخ المصري.
فيما حذر العديد من الخبراء والمراقبين من أن ما يحدث ربما يكون مؤامرة تحاك من قبل الحكومة الإماراتية لتشكيل هوية الجيل القادم من المصريين. وقد خلفت هذه الحادثة الذعر في صفوف الأولياء. ومع وجود أخطاء في الكتب المدرسية وأخطاء مطبعية في المصاحف، إلا أنه يبدو أنه لا توجد قوة إرشادية واحدة تسعى إلى تشويه التاريخ أو تحريف الروايات المقبولة في البلاد. وحتى عدد المدارس التي اكتُشفت فيها هذه الأخطاء كان ضئيلا، بضع عشرات من بين أكثر من 7750 مدرسة خاصة في البلاد.
قلق أولياء الأمور 
لكن شكاوى أولياء الأمور تضمنت قلقا أعمق من سيطرة الإمارات على نظام التعليم المصري بطريقة يمكن أن تُغير المجتمع المصري. في سنة 2015، بعد حوالي سنة من استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة، التزمت الإمارات العربية المتحدة، التي أيدت الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، بتأسيس 100 مدرسة جديدة في مصر.
في ذلك الوقت، بدت هذه الهدية بمثابة بادرة صداقة تجاه حليف مصري انضم إلى التحالف العربي الذي أطلقته السعودية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، والذي ضم البحرين والإمارات والسودان. ولكن بغض النظر عن هذه الهدية التي اعتبرها المصريون شيئا لا يتجاوز حدود الاستثمار النقدي السخي، كانت الإمارات العربية المتحدة تعتبر المدارس الخاصة في مصر جزءا من استثماراتها المربحة.
وفي العام 2018، بدأت مجموعة جيمس التعليمية، أكبر شركة استشارات وإدارة تعليمية خاصة في العالم، ممارسة الأعمال التجارية في مصر بالشراكة مع شركة هيرمس المصرية. اشترى مركز الشركة في الإمارات العربية المتحدة حصة 50 % في أربع مدارس في مصر، وهو انتهاك واضح لقانون يقيد الملكية الأجنبية للمدارس الخاصة في الدولة بـ 20%. بعد ذلك بسنتين، وتحديدا في إبريل 2020، أعلنت الشركة أنها تعتزم استثمار 300 مليون دولار في بناء 30 مدرسة خاصة في غضون عامين بطاقة تتراوح ما بين 25 و30 ألف طالب. كما تقدم الشركة خدمات إضافية مثل الزي المدرسي والوجبات وتدريب المعلمين.
فيما أشار "المركز المصري للدراسات الاقتصادية"، الذي نشر البيانات، إلى أن عدد المدارس الخاصة التي تنوي الإمارات الاستثمار فيها صغير نسبيا مقارنة بإجمالي عدد المدارس الخاصة في مصر. لكن المركز حذر أيضا من أن مثل هذا الاستثمار الضخم في هذا العدد الصغير من المدارس يمكن أن يخلق نخبة تعليمية من أجل الربح، ما قد يضر بالنظام المدرسي الحكومي والبنية الاجتماعية في مصر، خاصة عند مقارنته باستثمار حكومة الانقلاب في التعليم.
ووفقًا للبنك الدولي، فإن حوالي 94 % من ميزانية التعليم المصرية مخصصة للأجور، و5% موجهة إلى احتياجات أخرى، وحوالي 1% فقط للاستثمار في التنمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المقارنات التي تتضمن العدد الإجمالي للمدارس الخاصة المصرية يشوه الصورة الحقيقية، لأن عدد المدارس التي ترعاها الإمارات يجب مقارنتها بإجمالي المدارس الخاصة الدولية، التي يوجد منها 217، وهذا يعني أن 30 مدرسة إماراتية تشكل حوالي 14 % من جميع المدارس الخاصة الدولية في مصر.
ارتفاع الرسوم الدراسية 
وتعتبر الرسوم الدراسية في هذه المدارس باهظة مقارنة بالمعايير المصرية. ففي إحدى المدارس البريطانية الخاصة في مصر، يبلغ إجمالي الرسوم الدراسية السنوية حوالي 4500 دولار للصف الأول، بينما يصل إجمالي الرسوم الدراسية إلى 8800 دولار بالنسبة للصف الثاني عشر. وفي بلد يعيش أكثر من ثلث سكانه البالغ عددهم 105 ملايين نسمة على عتبة الفقر، من الواضح أن شريحة قليلة من الأثرياء فقط قادرون على تحمل تكاليف مثل هذه الرسوم الدراسية.
بل أصبح ارتياد المدارس الدولية رمزا للمكانة المرموقة، مثل امتلاك سيارة فاخرة أو منزل في حي راقي، ويرجع ذلك جزئيا إلى حقيقة أن هذا الأمر يضمن آفاقا اقتصادية لأبناء الأثرياء، الذين يتابعون عموما تعليمهم العالي في الخارج. كما يفضل أرباب العمل توظيف خريجي هذه المدارس ويقدمون لهم رواتب أعلى بكثير مقارنة بالرواتب التي يتقاضاها خريجو الجامعات الحكومية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء طبقة من المهنيين والمديرين والمسؤولين الحكوميين الذين يتفوّقون على معظم الشباب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الدراسة في هذا المسار رفيع المستوى والمكلف، والذي تموله الإمارات العربية المتحدة بالكامل.
لكن سلك التعليم ليس المجال المصري الوحيد الذي تتدخل فيه الإمارات. فقد أعلنت حكومة الانقلاب مؤخرا عن خطط لخصخصة شركتين مملوكتين للجيش المصري. إحداها شركة نفطية والأخرى هي شركة "صافي" للمياه المعدنية، وهي أضخم شركة متخصصة في هذا المجال في البلاد.
وضمن خطوات الخصخصة المتوالية، في مصر، فمن المتوقع أن تحظى الشركات الإماراتية بالأولوية بسبب المصالح الدبلوماسية المشتركة بين البلدين.

يشار إلى أن الإمارات والسعودية تسيطران على قطاع الصحة في مصر، حيث يمتلك السعوديون تسعة مستشفيات في حين يمتلك الإماراتيون 15 مستشفى، هذا إلى جانب أكثر من 900 مختبر في أنحاء مصر. يضاف ذلك إلى تحكّمها في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بنحو 45 مليار دولار. ولكن ما يثير القلق هو أن هذه المشاركة الواسعة في المجال الطبي، وخاصة في مجال الأدوية، من شأنها أن تلغي الرقابة على أسعار الأدوية وتؤدي إلى زيادات كبيرة في الأسعار التي يمكن أن تكون بمثابة ضربة قاضية بالنسبة للفقراء.