تستمر التقارير الاقتصادية في فضح الخراب الذي حل على يد قائد الانقلاب العسكري، بعد موجة الغلاء التي ضربت البلاد، وأثرت على دخول المصريين، وخاصة الغلابة والفقراء، الذين زادت أعدادهم لما فوق الخمسين بالمائة تحت خط الفقر، خلال العامين الأخيرين.
وقال تقرير صحفي، اليوم الجمعة، إن نظام عبد الفتاح السيسي يواجه واحدا من أصعب التحديات منذ سيطرته على السلطة قبل 5 سنوات، وذلك في ظل تسبُّب ارتفاع الأسعار والإجراءات الاقتصادية التقشفية في معاناة داعميه الأساسيين في الطبقة الوسطى.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست”، اليوم، في تقريرها المنشور عن انهيار الاقتصاد المصري، أنه حين ينمو الاقتصاد المصري وينال الإشادات من المانحين الغربيين للقاهرة، يضغط برنامج السيسي التقشفي على طيفٍ واسع من المصريين، ويُذكي الانتقادات الحادة لحكمه.
ولفت التقرير إلى ارتفاع تكلفة المعيشة التي أثارت غضبًا عارمًا، وأدَّت التخفيضات الحادة في الدعم إلى ارتفاع أسعار الوقود وغاز الطهي والكهرباء، فضلا عن أن الحكومة فرضت أيضا ضريبة القيمة المضافة، وعوَّمت العملة التي فقدت قيمتها بعد ذلك، كما أثار ارتفاع رسوم استخدام مترو الأنفاق الاحتجاجات في الشوارع. ولجأ آلاف المصريين إلى موقع تويتر والشبكات الاجتماعية الأخرى للمطالبة بتنحي السيسي، وعبَّروا عن غضبهم في هاشتاج «ارحل يا سيسي».
في حين استعرضت الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار، اعتراف السيسي في خطابات تلفزيونية مؤخرا، بأنَّ الإصلاحات الاقتصادية صعبة على الناس، حتى في ظل إصراره على أنَّ البلاد تسير في الطريق الصحيح.
وقالت إنه مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وافق السيسي في 2016 على فرض سلسلة من إجراءات التقشف. وتضمَّنت تلك الإجراءات تقليص الدعم الحكومي للوقود ومنتجات وخدمات أخرى، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه المصري بأكثر من النصف في نوفمبر من ذلك العام.
ونوهت إلى أن النمو الذي حققه اقتصاد السيسي وأشاد به صندوق النقد، متوقعا أن يبلغ النمو الاقتصادي 5.2% هذا العام، و5.5% العام المقبل، سيكون مصحوبا بارتفاع كبير في الأسعار في وقتٍ لا تزال فيه معدلات الفقر والبطالة عالية.
ونقل تقرير “واشنطن بوست” عن بعض المصريين شهادتهم بشأن الفقر الشديد الذي يعيشون فيه، إذ أجَّلت مصرية تدعى نانسي عطية زواجها، ليس بسبب مرضها أو توترات اللحظات الأخيرة ما قبل الزفاف، بل بسبب ارتفاع الأسعار.
وقالت نانسي (33 سنة)، وهي صحفية عاطلة عن العمل: «الإيجار، والأثاث، والأجهزة الكهربائية، كل شيء أصبح سعره مضاعفا، بل وأكثر من الضعف. كل خطوة صغيرة قرَّبتنا من حلمنا الجميل أصبحت أصعب وأصعب».
واضطرت نانسي سعيا لتحقيق حلم الزواج إلى الحصول على قرضٍ من البنك، وبدأت بشراء الأثاث، وكانت تضع عينيها على غرفة سفرة، لكنَّها أُحبِطَت حين تضاعف سعرها العام الماضي، وتمكَّنت من شراء بعض الأغراض فقط، لكنَّها توقفت بعد فترة قصيرة.
وأشارت الفتاة إلى أن شراء مزيد من الأثاث أو الحصول على مال كافٍ للإيجار لشقة خاصة بهما يتطلَّب العمل في وظيفتين أو أكثر. وأضافت: «أجَّلنا الزواج حتى إشعارٍ آخر، إلى أن نتمكَّن من تحمُّل تكاليفه».
من سيئ إلى أسوأ
كما نقل التقرير الأمريكي عن خالد الشربيني، الذي قال: إن التخفيض الحاد لقيمة الجنيه المصري هزَّ شركة السياحة التي يديرها. ففي حين جعل خفض الجنيه السفر إلى مصر أرخص بالنسبة للسياح الأجانب، فإنَّ معظم عمله يعتمد على المصريين الذين يقضون العطلات وشهر العسل في الخارج، وقال إنَّ الكثيرين لم يعد بمقدورهم تحمُّل تكاليف تلك الرحلات.
وقال الشربيني: إنَّه واجه أسعارا مرتفعة للخدمات وضرائب أعلى. وكي يدفع أجور موظفيه، اضطر لمقايضة سيارته الجديدة بأخرى مستخدمة.
وأضاف الشربيني، في تصريح للصحيفة الأمريكية: «باتت الأمور أسوأ وأسوأ. لقد تلقيتُ رسائل بريد إلكتروني من شركات طيران عديدة ومختلفة تخبرنا أنَّهم سيرفعون الأسعار أكثر. وتضاعف عبء الوقود المُحمَّل على تذاكر الرحلات تقريبا، الأمر الذي أدى إلى زيادة جنونية في الأسعار.. الناس توقفوا عن السفر». واختتم حديثه بأنه يبحث عن بداية جديدة. فهو يعتزم بيع شركته والانتقال إلى كندا.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إنّ المال الذي أُنفِق على استثمارات ضخمة مثل تطوير فرع جديد لقناة السويس، كان من الممكن استخدامه لتخفيف المعاناة الاقتصادية عن الشعب.
ونقل عن نورا جلال (26 عاما)، معاناتها للحفاظ على مصنع الملابس الصغير الخاص بها، الذي يُوظِّف في المعظم نساء من أسر فقيرة.
وحدث ارتفاع سريع وحاد في أسعار الأقمشة والمواد الخام الأخرى. لكنَّها تخشى أن يُكلِّفها ذلك خسارة زبائنها، وكانت تود أيضا أن ترفع رواتب موظفيها، لكنَّها لا تعلم كيف يمكنها تحمُّل تكاليف ذلك. وقالت نورا: «بصفتي مالكة شركة صغيرة، تزيد الأسعار كل ربع سنة مالية، ولا يمكننا مواكبتها».
وأغلق مصريون آخرون يمتلكون شركات صغيرة أعمالهم؛ إذ اعتاد عمر أبو زيد (27 عاما) بيع مستلزمات الكمبيوتر والإلكترونيات. وفي كل مرة كان يبيع فيها منتجا، كان عليه أن يعيد تكوين مخزونه من البضائع عن طريق شراء بديل أعلى سعرا.
وقال بعض المصريين من أفراد الطبقة الوسطى: إنَّهم يُفكِّرون في إخراج أطفالهم من المدارس الخاصة وتعليمهم في المنزل لتوفير المال، مثل أخصائية التخَاطُب والأم لطفلين في عمر المدرسة التي تبلغ من العمر 35 عاما، والتي قالت للصحيفة الأمريكية: “الأمور أصعب وأصعب هذه السنة. يستحق الأطفال حياةً أفضل. هذا السبب الذي يجعلني أحاول تغيير خططي والتفكير خارج الصندوق”.