“99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا”.. عندما يحكم الحشيش!

- ‎فيأخبار

“مكانش حد قادر يسافر في عقل ووجدان الرئيس السادات لما طرح تصوره للسلام، مكانش حد قادر يشوف ده، لكن الزمان والتغير والسنين أكدت صواب رؤيته وعبقرية فكرته”، لم تكن تلك كلمة جنرال أو مفكر صهيوني في أحد المعاهد الأمنية المنتشرة على طول وعرض تل أبيب، بل إنها عبارة تفوّه بها جنرال إسرائيل السفيه السيسي في مؤتمر دافوس، يذكّر الغرب الداعم للصهاينة بأنه جاء ليتمّم عمل الرئيس السادات، الذي نزع كل قطعة سيادة تُداري عورة الوطن، عندما قال “إن 99 % من أوراق اللعبة في يد أمريكا”!.

مرّ ما يقرب من 41 عامًا منذ تدشين عملية السلام العربي الإسرائيلي في منتجع كامب ديفيد في الولايات المتحدة، وبعد تلك الفترة الطويلة لا يملك المراقب سوى التأمل بحسرة على ما آلت إليه مجريات الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصا في أيلولة التسوية إلى عمليةٍ عبثيةٍ من التفاوض بلا هدف، إلا تكليف العرب بتأمين إسرائيل بلا مقابل.

تقول صحيفة “يديعوت أحرنوت” الصهيونية، إن سوق الحشيش في مصر كانت في ذروتها خلال فترة حكم السادات الذي كان “من أشد المغرمين بالمخدر”، وأشارت إلى أن الفترة الممتدة بين 1970 إلى 1981 تسمى بـ”العصر الذهبي” لمدمني الحشيش الذي كان يدخنه السادات، فهل كانت كامب ديفيد تحت غمامة الحشيش؟

ثورة يوليو الأمريكية

المراقبون في الجبال، والسياسيون في حقولهم، والشعوب أمام المدفأة يعلمون منذ عقود أن الأمريكان- ومنذ ثورة يوليو الأمريكية- يجب أن يوافقوا على أي رئيس لمصر، ويعلمون أن جميع الحكام باستثناء الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير، كانوا دائمًا ما يقدمون مسوغات المنصب وأوراق الاعتماد، بإعلان التزامهم بمعاهدة كامب ديفيد، ولكن جنرال إسرائيل السفيه السيسي منذ انقلابه، وهو يفعلها بإخلاص وحماس وإصرار غير مسبوق وغير مقبول.

وأجمع المراقبون- عربًا وعجمًا- على أن السادات في كامب ديفيد لم يكن عبقريًّا، كما يزعم السفيه السيسي عميل إسرائيل، وإنما كان خائفًا وتابعًا ومستسلمًا. المصريون يعلمون ذلك والسفيه السيسي يعلم ذلك، والمجتمع الأمريكي الدولي الذي يحاول السفيه أن يخطب وده ويستجلب اعترافه ورضاه يعلم ذلك، وأسوأ ما يمكن أن يحدث للمصريين أن يحكمهم سادات جديد، يكرر مقولة 99% من أوراق اللعبة في يد إسرائيل هذه المرة.

والتشابه بين أبو النكسة عبد الناصر وأبو الاستسلام أنور السادات، هو أن كليهما لا يعتمدان على الشعوب ولا يعتبران أن الشعب موردٌ وحيدٌ للمقاومة والسيادة، ولذلك تحوّل السادات من التوكل على الاتحاد السوفيتي كما فعل عبد الناصر، إلى التوكل على أمريكا فيما يتعلق بطريقة إدارة الصراع مع إسرائيل، فكانت النتيجة كارثية أدت إلى الاستسلام المباشر للولايات المتحدة، واتخاذها إلهًا للسلام، ليصبح زمام العسكر بين يدي واشنطن، من دون غيرها أو وفقاً لما قاله بنفسه، إن “99% من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة”.

وكانت لدى السادات هزيمة نفسية وقناعة بأنه لا يستطيع مواجهة أمريكا، فقد غازل أمريكا وإسرائيل باتفاق مسبق مع “بيرجز” في خطابه بمجلس الشعب في 4 فبراير1971، في الوقت الذي كان الشعب في حالة غليان لتأجيل الحرب لأكثر من مرة، وتمت أكثر من محاولة انقلاب حتى تم تنفيذ العبور، والذي تدخل في تفاصيله السادات مناقضًا رأى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق سعد الدين الشاذلي، وفي مذكرات الشاذلي الكثير من الأسرار الخفية حتى اليوم.

ويدرُس طلبة الكلية الحربية أن أمن سيناء بالدرجة الأولى هو في السيطرة على المضايق، التي سلّمها السادات والسفيه السيسي على طبق من فضة تارة لأمريكا، وأخرى للسعودية التي منحتها إلى إسرائيل، فمن احتل المضايق سيطر على سيناء شمالا وجنوبا، الشيء الذي لم يطبق في خطة العبور في أكتوبر 1973.

وتم العبور لمسافة لا تتجاوز الخمسة عشر كم فقط شرق القناة، وعدم استكمال الخطة الأصلية للمعركة بالوصول لخط المضايق، وإبلاغ السادات السوريين بتنفيذ الخطة حتى الوصول للمضايق، ثم أوامره بالوقفة التعبوية ما أدى لانفراد إسرائيل بسوريا، حتى تدخل السادات مجددًا في خطة العمليات، وأصدر أوامره بتطوير الهجوم شرقًا متأخرًا، وكانت ثغرة الدفرسوار، وهى المسمار الذي تمكن السادات به من جر مصر إلى نعش كامب ديفيد، ما ترتب عليه خسائر استراتيجية وأمنية وبشرية تفوق خسائر عدوان يونيو 1967، كما جاء فى تقارير لجان الصليب الأحمر الدولية.

وهنا ظهرت حقيقة تسليم مصر للولايات المتحدة الأمريكية كل أمورها على طبق من ذهب، حيث كسرت إسرائيل نجاح المعركة بالثغرة التي اتفق عليها السادات مع الأمريكان، وبسببها كانت قوات العدو الصهيوني على مشارف القاهرة، وهنا تظهر الاتفاقات التي تمت تحت الطاولة، فقد ظهر كيسينجر على المسرح علنًا، وبدأت عملية تنازل وتوازنات كلها لصالح إسرائيل، وإتمام سيطرة أمريكا على الوضع، وما يؤكد ذلك أن السادات أعلن في مجلس الشعب بأن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، فهل يتصور أحد أنّ رئيسًا يعلن هذا التصريح في مجلس الشعب علنًا؟!

وبدأ العد التنازلي لعقد اتفاقية كامب ديفيد التي أزاحت مصر وجيشها من سيناء، باستثناء شريط لا يتجاوز الخمسة عشر كم شرق القناة لا تستطيع القوات المسلحة المصرية أن تتخطاه، وأن تتم حراسة حدود مصر الشرقية بعدد 700 جندي شرطة فقط.

سلام العبيد

والاتفاقية موثقة ومكتوبة بالعربية وأصدرتها وزارة الخارجية المصرية، ولمن يريد أن يجادل فليقرأ بنودها ليتأكد من أن مصر بعقد هذه الاتفاقية فقدت السيطرة على سيناء؛ لأن وسط سيناء به تمركز لقوات أجنبية، منها أمريكية ما زالت موجودة حتى اليوم، وهذا موضوع جدير بالبحث والتمحيص، ومطلوب اختراقه لمعرفة ماذا يتم بين هذه القوات وبين من يخربون تحت مسمى “داعش”، ثم إن المضايق ليست تحت السيطرة المصرية، والحدود الدولية يحرسها سبعمائة عسكري شرطة!.

فهو سلام بالإكراه، بدأ باحتلال سيناء بالقوة، وصمت مجلس الأمن، وتدخل الأمريكان ضد مصر في حرب 1973 لسرقة النصر، وإرغام مصر في 1974 على انسحاب قواتها التي عبرت، وإكراه مصر على توقيع هذه المعاهدة المُذِلة التي لا تمت للوطنية بصلة، إنه سلام الـ99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، هو سلام يعترف بإسرائيل، وبحقها فى الأرض التي يعرفها المصريون بأنها فلسطين.

هو سلامٌ انحَاز إلى أمن المحتل على حساب أمن أصحاب الأرض، فأعطى لإسرائيل الحق في أن تضع دباباتها على بعد 3 كيلومترات من الحدود المصرية، ويجبر الدبابات المصرية على أن تكون على بعد 150 كم من ذات النقطة، هو سلام يلزمك باستئذان إسرائيل والتنسيق معها كلما أردت أن تزيد عدد قواتك في سيناء المصرية، ولا تلزمهم بالمثل، بل وتلزمك بالحصول على موافقتهم في حال اشتريت غواصة أو دبابة أو حتى رصاصة من الخارج.

هو سلام أسفر بعد 35 عامًا عن أن تصبح إسرائيل هي القوة الإقليمية العظمى، وأن تحشر مصر في اتفاق القرن، وتعزلها داخل حدودها، كما كان يتمنى موشى ديان حين قال صراحة عن أسباب العدوان الإسرائيلي على مصر: “إن قواتنا الجنوبية تحارب الآن عبر الحدود للقضاء على جيش النيل وحشره فى أرضه”.