تعديل الدستور.. مؤشرات صراع أجنحة داخل نظام 3 يوليو

- ‎فيتقارير

كتب: يونس حمزاوي
حملة تعديل الدستور التي أطلق شرارتها النائب إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان بمجلس نواب العسكر عن دائرة حلوان، وتبنّتها بعد ذلك منصات إعلامية معروفة بولائها للأجهزة الأمنية السيادية، لا تزال تثير جدلا واسعا بين مؤيدي وأنصار نظام انقلاب 3 يوليو، حيث طفت على السطح مؤشرات عن وجود صراع أجنحة داخل الأجهزة السيادية، والتي يتبنى بعضها التعديلات المطروحة ومد فترة رئاسة سفاح العسكر عبدالفتاح السيسي إلى فترات كثيرة، على أن تكون كل فترة 6 أو 7 سنوات.

جوهر التعديلات

ما يعزز من صراع الأجنحة داخل نظام 3 يوليو، ليس فقط تبني منصات إعلامية لتلك التعديلات بينما تتبنى منصات أخرى رفض هذه التعديلات، ولكن أيضا يمكن رصد ذلك من خلال تصريحات نواب في البرلمان.

فعلى عكس النائب إسماعيل نصر الدين وغيره من المؤيدين بشدة للتعديلات، فإن النائب كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى ببرلمان العسكر، أدلى بتصريحات شدد فيها على أن تعديل الدستور يمثل إساءة لمصر ولرئيس الانقلاب، وهو التصريح الذى اتفق معه النائب سعد الجمال، القيادة بائتلاف دعم مصر، صاحب الأغلبية فى البرلمان، والتي جاءت تحت رعاية أمنية من جهات سيادية معروفة.

كمال عامر يؤكد أن هناك من ينادى بتعديل الدستور بهدف زيادة مدة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلا من أربع سنوات، وأيضا هناك أصوات تنادي بتعديل الدستور بحيث تكون فترة الرئاسة لا تقتصر على مدتين فقط، ولكن زيادتها إلى ثلاث فترات.

3 مفارقات مضحكة

من جانبه، أبدى الكاتب الصحفي جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، استغرابه من دعوات تعديل الدستور ومد فترة الرئاسة، مؤكدا أنها تعكس صراع أجنحة داخل نظام 3 يوليو.

وفي مقال للكاتب بتاريخ 20 أغسطس بعنوان «تعديلات الدستور تكشف صراع أجنحة في السلطة»، استغرب سلطان من إطلاق الحملة من جانب النائب إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان، مؤكدا أن محكمة النقد قضت ببطلان عضويته، كما أنه عضو بلجنة الإسكان وليس اللجنة التشريعية.

المفارقة الثالثة التي يمكن أن تتحول إلى "نكتة" لا تصدق، أن أعضاء البرلمان يطالبون بتعديل الدستور لتقليص صلاحياتهم وصلاحيات البرلمان لحساب رئيس الجمهورية، وبطبيعة الحال ليس هذا من باب "نكران الذات" والتضحية من أجل الوطن، وإنما من باب الالتزام بالتوجيهات والتعليمات وتنفيذ المطلوب بدون مناقشة، وفقا لسلطان.

على خطى القذافي

من جانبه، يرى المحامى والحقوقى جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فى مقابلة مع شبكة "CNN "الأمريكية، أن المشكلة الرئيسية في مصر حاليا هى أننا لا نجد عقلا سياسيا لفهم المنطق، مضيفا أن "جمهورية مصر العربية بها أجنحة متصارعة لا تتحد إلا حينما تقمع الحريات، ولا نستطيع توقع ما سيحدث لأننا لا نتحدث عن عقلية واحدة، بالتالي كل شيء محتمل في الأيام المقبلة"، حسب قوله.

وفي إشارة ساخرة إلى دعوات تعديل الدستور ومسرحية انتخابات 2018، يستبعد "عيد" ذلك، مؤكدا أن الوضع الحقوقى الحالى هو الأسوأ على الإطلاق فى تاريخ جمهورية مصر العربية الحديث، حيث التوسع الهائل فى بناء السجون.

وقال "عيد": إنه "تم بناء 19 سجنا منذ عام 2011، منها 16 سجنا في عهد السيسي". ويشبّه "عيد" نظام السيسي حاليا بنظام القذافي في آخر أيامه بعد 30 سنة من الحكم، لافتا إلى أن هذه الإجراءات القمعية فعلها السيسي في 3 سنوات فقط من حكمه، مشددا على أننا "الآن أقرب لحكم القذافي دون أموال ونفط ليبيا".

مؤشرات صراع الأجنحة

ومما يؤكد صراع الأجنحة، يقول سلطان: «بسهولة يمكن أن ترصد تناقضات في الموقف من المقترح في أعلى هرم السلطة، ويمكنك رصد ما يتردد في الإعلام الموالي، الدولجي، لكي تدرك أن هناك صراعا حقيقيا حول هذا المقترح ».

ويضيف سلطان «هناك صحف تتبنى بقوة هذا التعديل وتروج له وتهاجم من يرفضونه بخشونة زائدة، وتقدم الشروح التي تراها مهمة لإنجاز هذا التعديل، وهي صحف تتحدث بلسان جهاز سيادي بعينه كما يعرف الكافة، وهناك فضائيات تنسج على هذا المنوال أيضا، وأصوات محددة من "الكائنات الفضائية" في الإعلام المصري تدعم الطرح وتهاجم رافضيه، وفي المقابل هناك منابر وأصوات إعلامية تعرف أنها موالية لجهة سيادية أخرى مهمة تقف موقف الناقد أو على الأقل المشكك في هذا المقترح، وتسفّه من الفكرة التي وراءه والتبريرات المقدمة له».

ويعزز من ذلك أيضا البرلمان نفسه، ستجد الانقسام واضحا بين كتل نيابية محسوبة على جناح سيادي بعينه، وكتل أخرى مرتبطة بجناح سيادي آخر، كلٌّ له موقفه من التعديلات، بين متحمس ومروج ومدافع عنها، وبين مشكك فيها ومندد بالاندفاع إليها، وكلهم "دولجية" حسب المصطلح الشائع.

هشاشة مؤسسات الدولة

مصر الآن في حالة هشاشة دستورية من الناحية العملية، ورئيس الانقلاب يفعل ما يريد وقتما يريد بالطريقة التي يريد، وفكرة المؤسسية شبه معلقة، ولا توجد استقلالية حقيقية لأي مؤسسة، والأمور تدار بالتوجيه، والقانون نفسه لم يعد هو مرجعية الأمر والنهي والسلوك الرسمي للدولة، وإنما السياسة وتقدير مصالح معينة، ويتم تفصيل الأمور بعدها على المقاس.

إذًا مصر الهشة تمضي بقطار سريع بلا توقف نحو الهاوية، في ظل حكم عسكري سلطوي هو بالأساس يفعل ما يريد، ولا يكترث كثيرا أو قليلا بالدستور والقانون أو حتى بالشعب ذاته.