تقنين التدخل الحكومي في أعمال الجمعيات الأهلية

- ‎فيمقالات

بعد الاستهجان الداخلي والخارجي للقيود الشديدة التي جاء بها قانون الجمعيات الأهلية المصري الصادر في مايو/أيار 2017، والذي قيل إنه صدر من دون استشارة وزارة التضامن الاجتماعي المشرفة على الجمعيات الأهلية، وكذلك من دون استشارة الجمعيات الأهلية التي يتعامل معها النظام الحاكم بتوجس.

وخروجا من المأزق تم افتعال حوار مجتمعي لأنصار النظام، قام بعده نفس البرلمان الذي أقر القانون، بإصدار قانون جديد قبل أسبوعين، لكن المقارنة بين القانونين تشير إلى شبه تماثل فى أبواب كل منهما ومضمون تلك الأبواب.

 فيما عدا حذف باب واحد من القانون السابق يخص الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، والذي كان ينص على تولى إدارته مجلس إدارة يصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية برئاسة شخص متفرغ بدرجة وزير، وعضوية ممثلين لوزارات الخارجية والدفاع والعدل والداخلية والتعاون الدولي والتضامن الاجتماعي، وجهاز المخابرات العامة ووحدة غسيل الأموال والبنك المركزي والرقابة الإدارية.

وهكذا تم استبدال ذلك الجهاز بإشراف وزير التضامن الاجتماعي على عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، فهو الذي يصرح لها بممارسة النشاط لمدة محددة، كم تم الإتيان بوحدة مركزية للجمعيات والعمل الأهلي لتحل محل جهة مشابهة لها كمجرد تغيير مسمى، تختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات أو الاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية.

غرامات باهظة بدل الحبس

والفارق الثاني بين القانونين هو حذف عقوبات الحبس التي وردت في القانون السابق وتراوحت مدتها ما بين سنة إلى خمس سنوات، واستبدالها بالقانون الجديد بغرامات مالية حدها الأدنى 50 ألف جنيه وتصل حتى مليون جنيه، بالإضافة إلى عقوبات الاستيلاء على الأموال وغلق مقار الجمعيات وحرمانها من مزاولة النشاط.

وفيما عدا الإتيان بباب جديد من مادة واحدة عن التطوع خلت من أية تفاصيل، تكاد باقي أبواب ومواد القانونين تتماثلان مع بعض الاختلافات غير الجوهرية.

لكن يتبقى بالقانون الجديد التحكم الإداري متعدد الأشكال في أعمال الجمعيات الأهلية، فمن بين 97 مادة تضمنها القانون الجديد، نجد 12 مادة تخص مهام تقوم بها الجهة الإدارية المتمثلة بوزارة التضامن وأجهزتها تجاه المؤسسات الأهلية.

إلى جانب خمس مواد لتراخيص تمنحها تلك الجهة الإدارية للجمعيات، و14 مادة تخص إخطار الجمعيات للجهة الإدارية بما يحدث بها من أعمال، و20 مادة تخص الأدوار التي يقوم بها وزير التضامن الاجتماعي تجاه الجمعيات، ومادتين لدور الوزارة تجاه الجمعيات، وأربع مواد لتراخيص من رئيس الوزراء.

وهكذا تتدخل الوزارة والأجهزة التابعة لها والوزير في أعمال الجمعيات بشكل زائد عن الحد، وهو ما يشير إلى جو التوجس الذي تعيشه الدولة تجاه الجمعيات الأهلية، ومحاولة استئصال أية عناصر لها توجه إسلامي من عضوية تلك الجمعيات ومجالس إداراتها، وهو ما يبرهن عليه تعدد المواد التي حذرت من الكيانات الإرهابية بحظر توفيق أوضاع الجمعيات التي صدر قرار بإدراجها على قوائم الكيانات الإرهابية.

تعدد المحظورات في أعمال الجمعيات

والاستناد إلى قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية وقوانين مكافحة الارهاب في التعامل مع الجمعيات، وطلب صحيفة الحالة الجنائية لكل عضو مؤسس فى جمعية، وإقرار بعدم إدراجه على قوائم الإرهابيين، واشتراط التأكد عند تعيين مدير لأية جمعية ألا يكون مدرجا على قوائم الإرهابيين.

والتزام وزارة التضامن بوضع آلية للتبادل الفوري للمعلومات مع السلطات المختصة، في حالة توافر اشتباه أو أسباب معقولة للاشتباه في مؤسسات المجتمع الأهلي فيما يخص تمويل الإرهاب، ووضع نظام للرقابة المكتبية والميدانية على تلك الجهات، كذلك تطلب إخطارها بأسماء المرشحين لعضوية مجلس إدارة الجمعيات قبل الانتخابات بستين يوما على الأقل حتى تفحصهم مع إمكانية اعتراضها عليهم.

وتوضخ قائمة المحظورات على الجمعيات المناخ الذي تعمل فيه الجمعيات في ظل القانون الجديد، والتي تشمل: ممارسة الأنشطة السياسية أو الحزبية  أو النقابية أو استخدام مقرات الجمعية في ذلك، أو ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي.

وكذلك الدعوة  إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أ واللغة أو الدين أو العقيدة، أو القيام بنشاط يدعو الى العنصرية أوالحض على الكراهية أوغير ذلك من الأسباب المخالفة للدستور والقانون.

وكذلك محظور عليها ممارسة أي انشطة تتطلب ترخيصا من جهة حكومية قبل الحصول على تلك التراخيص، ومحظور علها إجراء استطلاعات للرأي أو نشر وإتاحة  نتائجها أو إجراء البحوث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة جهاز الإحصاء، أيضا محظور عليها إبرام اتفاق مع جهة أجنبية داخل أو خارج البلاد قبل موافقة الجهة الإدارية.

وتوسع القانون فى المحظورات مع المنظمات الأجنبية غير الحكومية، بألا تعمل أو تمول نشاطا يدخل فى نطاق عمل الأحزاب أو النقابات المهنية أو العمالية، أو ذات طابع سياسي أو ديني أو يضر بالأمن القومي للبلاد أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن.

كما يحظر عليها استخدام مقارها فى تحقيق أغراض أو ممارسة أنشطة غير مصرح بها أو لا تتصل بنشاطها، كما يحظر عليها تلقى أموال أو إرسال أموال أو تبرعات الى أي جهة بالخارج إلا بتصريح من وزير التضامن.

 مخالفات غير جوهرية توجب الحل

وتبدو الحساسية الزائدة من تعامل الجمعيات مع الأجانب، فى أنه حتى فى حالة استعانة الجمعيات بالأجانب فى صورة خبراء أو عاملين دائمين أو مؤقتين أو متطوعين، فلابد من الترخيص بذلك مسبقا من وزير التضامن، حتى الاستعانة بالأجانب فى الدورات التدريبية التى يقوم بها الاتحاد العام للجمعيات لابد له أولا من موافقة وزير التضامن الاجتماعي.

كذلك تتعدد الحالات التي يتوجب معها حل الجمعيات وتعيين مصف لأموالها ومنها: عدم توفيق الأوضاع حسب القانون الجديد، وعدم حصولها على ترخيص لموازنة أنشطتها بالمناطق الحدودية، وارتكاب أي من المحظورات الأحد عشر  المحددة للجمعيات، وممارسة أنشطة لم ترد في النظام الأساسي للجمعية.

 وكذلك الانتقال الى مقر جديد للجمعية من دون إخطار الجهة الإدارية، ومخالفة أحكام تلقى الأموال أو جمع التبرعات، وقيام الجمعية بالاشتراك في جمعية أجنبية، وأيضا عدم نشر نظامها الأساسي، وإطلاق مبادرة لنشاط أهلي دون تصريح من الجهة الإدارية.

 وفتح فرع بالخارج دون الحصول على موافقة الوزير، وفتح مكتب بإحدى المحافظات دون إخطار الجهة الإدارية، وتخصيص أماكن بالجمعية لإيواء الأطفال أو المسنين أو المعاقين دون ترخيص، وكذلك عدم احتفاظ الجمعية بالوثائق والسجلات الخاصة بها، وهو ما يشير الى تعدد الأسباب الموجبة لحل الجمعيات. 

وهكذا خضعت السلطات للضغوط الأجنبية بإلغاء الجهاز الذي كان منوطا به تنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، لكنها احتفظت بنفس القيود الإدارية فيما يتعلق بنشاط الجمعيات المحلية، ما يتوقع معه تراجع النشاط الأهلي، المتراجع أصلا منذ أعوام بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية للكثيرين من رجال الأعمال، ما انعكس على ضعف تبرعاتهم للجمعيات، والتي كانت تمثل شريانا رئيسيا لتمويل أنشطة الجمعيات.