رأس الأفعى.. هل تساوم السعودية قطر بالمصالحة مقابل تركيا والربيع العربي؟

- ‎فيتقارير

لكل شيء ثمن، ولكل موقف كواليس لا يطلع عليها إلا العالمون، تلك هي السياسة التي لا تعرف صلة الأرحام ولا يعنيها رباط الدين في شيء. وعلى وقع تلك السياسة أكد رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، أن القمة الخليجية ستكون “محطة مهمة جدًّا للمصالحة الخليجية”، المشتعلة منذ يونيو 2017، بحصار على دولة قطر تشنه السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى تابعهم السفيه السيسي.

وتنعقد القمة الخليجية هذا العام في الرياض للعام الثاني على التوالي، بعد استضافتها القمة السابقة في التاسع من ديسمبر 2018، بدلاً من سلطنة عُمان التي اعتذرت عن عدم الاستضافة.

لكنَّ السؤال الذي يُطرح في هذا الصدد هو: هل تقبل قطر الجلوس إلى طاولة الصلح وحلّ الأزمة ورفع الحصار، مقابل التخلي عن تحالفها مع تركيا والقطيعة من ثورات الربيع العربي؟.

القطريون يرون صعوبة في عودة الأمور إلى طبيعتها السابقة، ويعتبرون أن ما حققته بلادهم في ظل الحصار فاق التوقعات؛ حيث نجحت في الاستغناء عن السوق الخليجية التي كانت ترتبط بها، وعبّدت طريقها للنجاح والبقاء دون الحاجة إلى الارتباط مع هذه الدول.

تهاوي الحصار

وعرفت الأسابيع القليلة الماضية رواجًا لتقارير تتحدث عن انفراجة قريبة بالأزمة الخليجية قد تحصل خلال القمة، تنهي فرض حصار شامل على قطر بدعوى دعم الإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة، معتبرةً أنه للسيطرة على قرارها السيادي.

وما عزز تلك الأنباء موافقة الاتحادات الكروية للسعودية والإمارات والبحرين على المشاركة في بطولة كأس الخليج (خليحي 24)، التي تحتضنها قطر ما بين 26 نوفمبر و8 ديسمبر، بعد رفضهم المشاركة سابقاً.

من جهته علّق رئيس الوزراء القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، في سلسلة تغريدات عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، بأن الصلح المنتظر يحتاج إلى “تقييم مدى الضرر من جميع الأطراف”، مشددا على أن يكون “هذا الحل للأزمة والحصار الذي فرض علينا، وأصاب المنطقة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا”.

وأكد ضرورة أن يكون ذلك “عبرة”، بحيث لا تتكرر مثل “هذه السياسات التي لم تُؤدِّ إلى نتيجة سوى إحداث خلل لمجلس التعاون الخليجي”، مبديًا ترحيبه بـ”الصلح غير المشروط الذي يحفظ كرامة وسيادة الدول”، وأشار إلى وجوب أن يكون هناك “بحث عميق من قبل أعضاء مجلس التعاون الذي جُمّد في هذا الخلاف والمنطقة في أشد الاحتياج لمثل هذا التكتل”.

ولم يكد يمضي يومان على إعلان كلٍّ من السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع علاقاتها مع دولة قطر، على خلفية مزاعم بأنها دولة داعمة للإرهاب، حتى بادر البرلمان التركي إلى المصادقة على اتفاقات عسكرية تسمح بنشر قوات عسكرية داخل القاعدة التركية في قطر من أجل تقديم تدريبات لقوات الأمن القطرية.

قطر وتركيا

وعلى الرغم من أن المذكرة البرلمانية، التي أعطت الضوء الأخضر لنشر قوات تركية خارج حدود البلاد، اعتمدت على معاهدة ثنائية بين قطر وتركيا موقَّعة في العام 2015، إلا أن توقيت تفعيلها أثار جدلًا حول ما إذا كانت تركيا قد اصطفَّت إلى جانب طرف معين في الأزمة القطرية.

أما ما هو أكثر أهمية من هذا، فهو أن التوقيت الذي جاءت فيه مصادقة البرلمان التركي وتصديق الرئيس رجب طيب أردوغان، السريع عليها، قد أثار العديد من الأسئلة المتعلقة بحقيقة الدوافع التي تقف خلف انخراط تركيا في الأزمة.

حاولت تركيا، خلال الأزمة، لعب دور الوسيط من أجل تجاوز التصدع الذي طال العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج مؤخرًا، من دون إلحاق الضرر بعلاقات أنقرة المتينة مع السعودية والدول الخليجية الأخرى.

وباتخاذها تلك الخطوة، فإن صُنَّاع السياسة الأتراك، اعتقدوا أن على تركيا إعادة صياغة سياستها الخارجية ولعب ذات الدور الذي كانت تلعبه في المنطقة قبل موجة الربيع العربي.

لهذا، فإن العقلانية الاستراتيجية التي تقف خلف قرار تركيا بإرسال قواتها العسكرية إلى دولة قطر، أثناء تطور الأزمة، بالإضافة إلى نمط السياسة الخارجية الذي تحاول أنقرة انتهاجه خلال الأزمة، لا يمكن فهمهما فقط من خلال التركيز على الأزمة الدبلوماسية الحالية بين قطر والمملكة العربية السعودية.

الأمر هنا يتعلق بشكل أساسي بإعادة تشكيل النظام الإقليمي في فترة ما بعد الربيع العربي؛ حيث ترى تركيا نفسها أحد اللاعبين في إعادة رسم ملامح المنطقة جيوسياسيًّا، ولذلك فإن أول ردِّ فعل للرئيس التركي تجاه الأزمة يشير بشكل مباشر إلى تغليب البُعد الإقليمي للأزمة.

بعد عقودٍ طويلة من الانكفاء على الذات والجلوس على مقعد المتفرجين دخلت تركيا إلى ملعب الشرق الأوسط من جديد، ولعل العروبة والإسلام هما المنطلق الأول الذي بدأت منه تركيا، اعتمادًا على التاريخ المشترك بين العرب والأتراك في العهد العثماني.

ويرى آخرون أن الاهتمام بالشرق الأوسط يأتي من رغبة تركيا في استعادة ذاتها الإسلامية ومعها تسترجع أهميتها في قلب العالم الإسلامي، يُدّعم تلك الرؤية أن الانفتاح التركي يتم في ظل وجود حزب ذي مرجعية إسلامية، ويُرجع بعض المحللين السبب إلى أن تركيا ترغب في كسب أكبر عددٍ من مناطق النفوذ كي تصبح مؤهلةً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.