مصريون بلا رواتب.. “كورونا” أمامهم والسيسي خلفهم.. ماذا يفعلون؟

- ‎فيتقارير

وجه عدد كبير من الممثلين والرياضيين رسالة لمتابعيهم بضرورة الالتزام بالتواجد في منازلهم بعد تفشى فيروس كورونا فى العالم كله، لمحاولة الحد من انتشار العدوى والسيطرة على الحالات المصابة وعدم زيادتها، ومنحت حكومة الانقلاب إجازات لبعض شرائح العاملين بالقطاع العام، وبقى السؤال: ماذا عن القطاع الخاص وعمال اليومية؟.

عمال التراحيل واليومية فئة مهمشة تعاني من النسيان والإهمال على مر العصور، جاء الانقلاب فطاردهم كالفئران في الأزقة والحواري، ثم جاء فيروس كورونا فزادهم هما على هم، عُرفت تلك الفئة بتواجدها في ‏الأرياف والأراضي الزراعية، إلا أنها لم تشغل بال حكومات العسكر، كذلك لم يهتم الفن ‏والأفلام السينمائية والروايات بتجسيدها، إلا قليلًا، حتى باتت منسية في الواقع والخيال.‏

ومع كل إشراقة صباح يوم جديد، تتجدد رحلة معاناة البحث عن الرزق، يقطعون مسافات طويلة من أقاصي الصعيد إلى ‏ميادين المحروسة، ليفترشوا الأرصفة بزيهم المميز من العمامة والجلباب الصعيدي، وأمام كل منهم عدته ‏الخاصة: “أَجَنَة وأزميل وشاكوش”، تربطهم ببعض خرقة بالية، في انتظار عمل قد يأتي.. هم عمال ‏التراحيل أو كما يطلق عليهم العموم “الفواعلية”.‏

هذه المهنة يقصرها البعض في مشهد العمال ‏المزدحمين على الأرصفة في الشوارع ومعهم أدواتهم، ليقوموا بهدم حائط أو بناء جدار، إلا أن التاريخ ‏يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هؤلاء العمال قامت على أكتافهم إنجازات عديدة كالأهرامات والسد العالي.

عمال التراحيل

ثلاثية الوهم والفقر والاغتراب فى بر مصر المحروسة، هجروا قراهم بعد أن ضاق العيش بهم، تركوا أبناءهم لهثًا وراء حلم الستر، أغوتهم النداهة فلبوا إلى قاهرة المعز طمعًا فى الثروة وهروبًا من الفقر، فتحولت الطموحات إلى أوهام ووقعوا فى براثن الشارع الذى لا يعرف الرحمة، تطاردهم لعنة الجوع وخيبة الأمل.

مصير مجهول يواجهه عمال التراحيل بعدما أسقطتهم عصابة السفيه السيسي من حساباتها تمامًا، مما أورثهم الشعور بالقهر والضياع، فلا يوجد لهم عمل مضمون ولا تأمين صحي ولا اجتماعي، فراحوا يبكون حالهم، وفي مشهد مثير للشفقة، يتجمعون بميادين مصر بالمحافظات، ينتظرون الفرج من شخص يطلب عمالة، أو مقاول يختار من بينهم عددًا قليلًا لينتظر الباقون فرصة أخرى.

تعددت مظاهر معاناتهم، فمنهم من يعقد الآمال على فرصة عمل لا تجيء، وآخر يتشبث بأجر يومية يسد بها جوع أسرته التي يعولها، وآخر يكد ويكدح بلا طائل، ويقطع المسافات الطوال من الصعيد إلى القاهرة والجيزة أو الإسكندرية للبحث عن وظيفة توفر له حياة كريمة، لكنه يصطدم بواقع أسوأ.

وأمس الأربعاء أعلنت منظمة العمل الدولية، أن 25 مليون شخص قد يفقدون وظائفهم على مستوى العالم نتيجة فيروس كورونا، وفق خبر عاجل لروسيا اليوم.

ساعدوهم بالزكاة

من جهته يقول الدكتور محمد الصغير: “اعتاد أهل الخير إخراج الزكاة في رمضان طلبا لشرف الزمان وزيادة الأجر، ونظرا لما يمر به الناس الآن من ترك العمل والحاجة إلى مكافحة كورونا فإن تعجيل الزكاة أعظم أثرا وأكبر أجرا، قال رسول الله(ﷺ) «العبادة في الهرج كهجرة إلي» (رواه مسلم)، والمراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس”.

وتابع: “أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة من عمه العباس قبل موعدها بعام لحاجة الناس، وقال: “إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام” رواه الترمذي. تعجيل الزكاة الآن أحد واجبات المرحلة، به يُستدفع البلاء، ويوسع على الفقراء الذين لا يملكون ثمن الدواء، ويُضاعف الأجر من واسع الفضل”.

يقول محمد عبد العزيز، 32 سنة، متزوج ولدية طفلان: “الوظائف بالواسطة وأنا مش معايا فلوس للواسطة، تقدمت بشهادتي للعديد من الوظائف دون جدوى، وبعد أن طلب مني أحد الأشخاص مبلغ 10 آلاف جنيه مقابل وظيفة، قررت اللجوء إلى العمل باليومية”.

وأكد محمد حجازي، حاصل على ليسانس حقوق، 29 سنة، أنه فقد الأمل في الحصول على وظيفة بمؤهله، ولجأ للعمل اليومي منذ خمس سنوات، بعد تقدمه للعديد من الوظائف الحكومية وغير الحكومية، والواسطة شرط أساسي، وجد العمل باليومية لا وساطة فيه والرزق بيد الله.

ويقول الحاج محمد أبو الحسن، 59 سنة: إنه كان يعمل “تباع سيارة نقل” وبعد أن خسر عمله منذ سنتين ووجد نفسه بلا عمل وبلا معاش ولا تأمين، قرر النزول للبحث عن قوت يومه، رغم مشقة العمل على رجل في سنه.

وأضاف مجدي علي، 45 سنة: “مش عايزين حاجة من حد وكل شيء نصيب”، فشل فى الحصول على وظيفة حكومية منذ أكثر من 20 سنة، وطول هذه السنوات يحاول كسب قوت يومه بالافتراش على الرصيف مع جميع العمال.

وتعتبر محافظة الإسكندرية الثانية في جذب عمال اليومية والفواعلية بعد القاهرة، يفترش العديد من العمال أرصفة ميادينها بـ”كوبري أبو سرحة شرق الإسكندرية، ميدان الصينية بالورديان، شارع القاهرة بسيدي بشر، وغيرها” انتظارًا لمقاول الأنفار الذي يختار من بينهم عددًا قليلًا، ويظل الباقون في انتظار الدور.

يقول محمد أبو مروان: جئت من أسيوط للبحث عن فرصة عمل بالإسكندرية كبائع أو حارس عقار أو حتى عامل نظافة؛ لأسد جوع أسرتى المكونة من 7 أفراد، ولم أجد سوى أن أشترى “شاكوش وأزميل” وأجلس من بعد صلاة الفجر على الرصيف بكوبري أبو سرحة في انتظار أي شخص يريد أن يكسر حائطًا أو يرفع طوبًا أو زلطًا، وعندما يأتي شخص يلتف حوله العشرات من العمال ليكون لهم نصيب في رزق هذا اليوم.

ويضيف مرزوق عبد المنعم: تركت الشغل بحمل الطوب والزلط بعد أن أصبت بالغضروف ولم أجد لقمة العيش لي ولأولادي، والحكومة لا تنظر إلينا، ونحن معدومو الدخل، ليس لنا تأمين صحي ولا معاش وكل رأس مالنا “الصحة” إذا فقدناها سيموت أطفالنا جوعًا.

ويعلق الدكتور محمد عبد الرحمن، أستاذ علم الاجتماع قائلا: إن “الفواعلية أو من ليس له مصدر رزق هم وقود ثورة الجياع المقبلة إذا لم تلتفت لهم الحكومة بإنشاء مشروعات كبيرة تضمهم إلى سوق العمل وتلحقهم بالتأمين الصحي، مضيفًا أن لديهم من القيم والمبادئ ما يجعلهم يعتمدون على سواعدهم لإيجاد لقمة العيش ولا يبحثون عن الحلول السهلة كالسرقة والإتجار بالمخدرات.