لسنوات طويلة خدع السيسي ونظامه المصريين، وخاصة العاملين بالخارج، الذين تعامل معهم نظام الانقلاب العسكري كـ”دجاجة تبيض ذهبا”، عبر تحويلاتهم الدولارية التي يرسلونها لمصر، واستثماراتهم، وحركة الرواج الاقتصادي والتجاري التي يأتون بها في إجازاتهم.
وعبر لقاءات عديدة قامت بها وزيرة الهجرة نبيلة مكرم عبيد، ولقاءات مفتوحة مع العاملين بالخارج، وتشجيعهم للاستثمار في مصر، وتوفير خدمات لهم من عينة ماكينات استخراج بطاقات الرقم القومي، أو تجديد الجوازات المنتهية وغيرها من خدمات الوطن، التي تغنى بها السيسي وإعلامه لسنوات.
بل تعدّى الأمر إلى استقبال السيسي وفودًا من المصريين العاملين بالخارج، كما جرى مثلا في 15 أكتوبر 2019، حيث استقبل السيسي وفدا من المستثمرين المصريين بالخارج، والمشاركين في النسخة الخامسة من سلسلة مؤتمرات “مصر تستطيع” التي عقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، ووزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري.
وصرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأنّ السيسي أكد خلال الاجتماع “حرص الدولة على التفاعل المباشر مع المستثمرين وقطاع الأعمال من أبناء مصر في الخارج، الذين يمثلون ثروة كبيرة للوطن، للاستفادة من خبراتهم ومقترحاتهم، وتدعيم الروابط بينهم وبين وطنهم الأم، وإشراكهم في جهود الدولة لبناء المستقبل، والتي تتطلب إدارة دؤوبة وإرادة حقيقية واعية بالتحديات وسبل مواجهتها”.
هذا الكلام المعسول وغيره عن المصريين بالخارج انفضح أمره بالأمس، عند أول اختبار عملي، إذ قرر نظام السيسي– بغباوة منقطعة النظير- فرض رسوم تتراوح بين 1000 إلى 1800 جنيه، في الليلة الواحدة لمن يريد العودة إلى مصر في ظل أزمة كورونا، كمصاريف لدخول الحجر الطبي، المقرر أن يدخله من يعود من الخارج قبل عودته إلى بيته في مصر.
وهو قرار غير مسبوق عالميا، لم تتخذه أية دولة في العالم في تعاطيها مع مواطنيها العائدين من الخارج.
وهو قرار يأتي في وقت تناقش فيه الدول المختلفة بكافة أشكال نظمها السياسية، منح مواطنيها إعانات مالية وإعفاءات ضريبية وخدمات صحية متميزة، وغيرها من الخدمات؛ لمعالجة انعكاسات كورونا على مواطنيها، كما يجري مثلا في كندا، بحسب تصريحات للصحفي المصري المقيم بكندا محمد نصر، لوسائل الإعلام مساء الثلاثاء.
وهو قرار يعتبره الخبراء انسحابًا من الدولة عن دورها تجاه رعاياها، ويتنافى تماما مع ما تقوم به مؤسسات الدولة نفسها مع العسكريين وأسرهم، الذين يتم إعفاؤهم من تلك القيود التي تفرض على الشعب.
يشار إلى أن وزارة الصحة بحكومة الانقلاب قررت عند دخول المصريين العالقين بالدول المختلفة، ضرورة كتابة إقرار قبل ركوب الطائرة بدخول الحجر الصحي فور الوصول للبلاد.
وصرح مصدر مسئول بوزارة الطيران، بأنه سيتم تطبيق القرار ابتداء من أمس الثلاثاء، على المصريين العائدين من باريس ولندن، حيث تنظم مصر للطيران رحلتين إلى باريس ولندن لإعادة المصريين العالقين هناك.
وقررت الصحة أن يكون توقيع الراكب للإقرار إجباريًا كشرط لصعود الطائرة، ذلك الإجراء سيطبق على كافة الرحلات الاستثنائية التي تنظمها مصر للطيران بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والهجرة، مع تحميل العائدين مصاريف تتراوح بين 1000-1800 جنيه لليلة الواحدة بالحجر الطبي.
وهو قرار رفضه العائدون بسبب ظروف توقفهم عن العمل منذ أكثر من شهر بالدول التي كانوا بها، وإنهاء تعاقدات بعضهم، وهو ما قد يكلفهم أكثر من 15 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم على كثير من العائدين في ظل ظروفهم المادية الصعبة.
وكان عدد كبير من المصريين العائدين من الكويت قد رفضوا أن يخضعوا للحجر الصحي، وقاموا بمظاهرات داخل المطار للذهاب لمنازلهم، وبالفعل نجحوا في الضغط على أمن المطار الذي فتح لهم الطريق للعودة لمنازلهم بالكويت.
كما نظّم المصريون العائدون، يوم الاثنين الماضي، من دولة الكويت مظاهرات داخل مطار القاهرة الدولي رفضا لدخولهم الحجر الصحي لمدة 14 يومًا، بمصروفات تصل إلى 26 ألف جنيه.
وبدأ المصريون العائدون من الكويت التجمهر والتظاهر ضد قرار الدولة، ورددوا هتافات “مش رايحين الحجر”، وطالبوا بالسماح لهم وفتح الطريق أمامهم للذهاب إلى منازلهم، محاولين إقناع مسئول وزارة الصحة والحجر الصحي بالتزامهم بكافة التعليمات وعدم الاختلاط، وأنهم سيجلسون في منازلهم دون النزول لمدة 14 يومًا، وسيكونون على تواصل مع المسئولين لحين الاطمئنان عليهم بعدم إصابتهم بفيروس كورونا.
وقرر المسئولون بمطار القاهرة منع خروجهم من المطار لمنازلهم، وضرورة ذهابهم للحجر الصحي للاطمئنان على عدم إصابتهم بفيروس كورونا المستجد؛ حفاظا على أسرهم وذويهم ولكنهم رفضوا.
وبالرغم من ذلك، استطاع المصريون العائدون من الكويت تنفيذ مطالبهم بعدم الخضوع للحجر الصحي والذهاب لمنازلهم، والتواصل معهم من خلال هواتفهم والعناوين الخاصة بهم، فضلا عن التزامهم بالحجر المنزلي وعدم النزول من المنزل أو الاختلاط لمدة 14 يوما.
ويعبّر القرار عن اللاإنسانية المتوحشة التي يتعامل بها السيسي مع الشعب، على خلاف الصورة التي يصدرها الإعلام له بأنه الرئيس الإنسان.