مساعدات السيسي لإيطاليا بين التوظيف السياسي والإنسانية الزائفة

- ‎فيتقارير

أثارت المساعدات التي قدمها رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لكل من الصين وإيطاليا، وتشمل معدات ولوازم طبية لمكافحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، غضبا واسعا بين المصريين؛  ذلك أن كل الحكومات في العالم تسعى أولا إلى توفير احتياطات أسواقها المحلية من هذه اللوازم التي باتت شحيحة للغاية مع تفشي الفيروس وانتشاره عالميا.

ومعنى التفريط في هذه اللوازم والمعدات في هذا الظرف الدقيق، أن النظام العسكري في مصر يقدم حياة الصينيين والطليان على حياة المصريين، كما تعنى أن التوظيف السياسي للحدث عند نظام الانقلاب أهم من توفير اللوازم الطبية للطواقم الطبية من أطباء وتمريض، والذين يواجهون تفشي العدوى في مصر بإمكانات قليلة، ويشكو الجميع من ندرة معدات ولوازم الوقاية من العدوى.

يسوق النظام سلوكه المشبوه باعتباره انعكاسًا للإنسانية الذي تتمتع به القيادة السياسية في مصر؛ رغم أن هذا النظام هو نفسه من قتل آلاف المصريين طمعا في السلطة، وهو من نفذ انقلابا عسكريا مشئوما حبا في السلطة، وهو من فرط في ثروات مصر من المياه والغاز وباع التراب الوطني من أجل تسويق نفسه إقليميا ودوليا حبا في السلطة، وهو من يعتقل حتى اليوم عشرات الآلاف من الأبرياء وزج بهم في السجون بتهم ملفقة واهية من أجل ضمان بقائه في السلطة؛ فعن أي إنسانية يتحدثون؟  وأين كانت هذه الإنسانية الزائفة وهم يحرقون جثث الضحايا في اعتصامي رابعة والنهضة وهي المشاهد الوحشية الموثقة بكاميرات تلفزيونية؟ وأين كانت هذه الإنسانية الزائفة وقد قتل النظام رئيس مصر المنتخب بنزاهة مع سبق الإصرار والترصد؟

واقع الأمر أن نظام العسكر في مصر لا يعنيه انتشار الوباء داخليا حتى لو أفضى إلى افتراس كل الطواقم الطبية وافتراس ملايين المصريين؛ فالنظام يرى أن عدد المصريين زاد عن الحد ويشكو منذ سنوات من الزيادة السكانية ويعلق عليها فشله السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وربما يرى فريق داخل السلطة أن هلاك عدة ملايين من المصريين من شأنه أن يخفف الحمل على الحكومة التي تعاني من فشل مزمن كما كشف أحد النشطاء نقلا عن قيادة رفيعة بالأمن الوطني، والتي قالت “إيه المشكلة لما يموت ربع الشعب أو حتى نصفه ونعمل موازنة حلوة ويعيش النصف الباقي في رفاهية!”. وتقريبا  هذه المضامين هي عين تصريحات نجيب ساويرس وحسين غبور وغيرهم من رجال الرأسمالية المتوحشة الذي لا يعنيهم حياة البشر بقدر ما يعنيهم استمرار ضخ الملايين إلى بطونهم الحرام.

مساعدات النظام لإيطاليا جاءت بهدف الانتهاز السياسي للظرف الراهن وتفشي الوباء في إيطاليا بصورة كبيرة بهدف ترطيب العلاقات مع روما وتخفيف الضغط عن السلطة بشأن ملف مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني والتي تلاحق الاتهامات بقتله قيادات رفيعة بالمخابرات العامة والأمن الوطني وعلى رأسهم محمود السيسي نجل زعيم الانقلاب نفسه؛ فالهدف إذا هو حماية رأس نجل السيسي من هذه الملاحقات الإيطالية التي لم تتوقف بسبب ضغوط أسرة ريجيني والرأي العام الإيطالي.

ويهدف السيسي أيضا من هذه المساعدات لإيطاليا إلى التغلب على بعض القيود التي تعطل بعض صفقات التسليح التي اتفق عليها مع الحكومة الإيطالية والتي كانت تستهدف بالأساس ترطيب العلاقات مع روما، لا سيما وأن هذه الصفقات تتضمن معدات تسليح مختلفة بقيمة 9 مليارات يورو، وبيع فرقاطتين من نوع “فريم” متعددتي المهمات بقيمة 1.5 مليار يورو، ولا تزال الصفقة متوقفة على موافقة الخارجية الإيطالية على خطابات الضمان واعتماد البيع، وذلك بعدما تمّ بالفعل تمويل نحو 30 في المائة من قيمة صفقة شراء الفرقاطتين “فريم” بواسطة قروض حصلت عليها سلطات الانقلاب من بنوك أوروبية، ونسبة مماثلة ممولة من قروض حكومية، فيما ستدفع الحكومة المصرية النسبة الباقية مباشرةً، وقيمتها نحو 500 مليون يورو.

الهدف الثالث من المساعدات لإيطاليا هي استمالة الموقف السياسي لروما في ما يتعلق بالملف الليبي؛ حيث أبدت روما مرارا  رفضها للدور المشبوه الذي يلعبه اللواء المعتوه خليفة حفتر وتوافقت في كثير من الرؤى مع الموقف التركي الداعم لحكومة الوفاق الشرعية والمحذر من خطورة سيطرة جنرال أرعن مثل حفتر على حكم ليبيا. وما كانت صفقات السلاح والمساعدات إلا من قبيل رشوة النظام الإيطالي من أجل دفعه للانحياز لمواقف تحالف الثورات المضادة في القضايا الإقليمية المشتعلة في المنطقة.

ببساطة نظام العسكر يقوم على تغليب الحسابات السياسية على حياة المصريين حتى لو نهشهم الفيروس وافترس عشرات الملايين منهم بين الإصابة والوفاة، وكان يمكن لهذه المساعدات أن تكون إنسانية لو لم يكن النظام قام على انقلاب دموي ارتكب أبشع الجرائم بحق المصريين، وكان يمكن أن تكون إنسانية حقا لو كان ذلك ليس على حساب الطواقم الطبية والمواطن المصري المسحوق الذي بات لا يجد المعقمات والكمامات التي فضل السيسي إرسالها إلى الصين والطليان!