تغيير العملة وعلاقته بالاقتصاد الموازي وحرب السيسي على الفقراء

- ‎فيتقارير

تتجه حكومة الانقلاب نحو طباعة أوراق نقدية جديدة من مادة البوليمر الشفافة، مع وضع حد أقصى للسحب من ماكينات الصرف الآلي ومن داخل البنوك، وهناك تسريبات تقول إن العملات المخطط تغييرها ستكون من فئات الـــ(10، 20، 50، 100) جنيه.

ومع صدور العملة الجديدة ستعطي الحكومة مهلة محددة لاستبدال العملات القديمة بالعملات الجديدة، وهو ما سيجعل الناس يتهافتون من أجل تبديل أموالهم حتى لا تضيع مدخراتهم.

الأهداف: مزيد من الجباية

هذا القرار تتخذه الحكومات عادة لتحقيق عدة أهداف منها:

أولا: الكشف عن الأموال غير المرصودة من جانب أجهزتها المصرفية والرقابية والمالية، أو بمعنى أوضح فإن النظم تقوم بمثل هذه الخطوة من أجل رصد الأموال المغسولة والتي تدخل البلاد بطرق غير شرعية من عمليات مشبوهة مثل تجارة المخدرات والسلاح وتهريب الآثار وبيع الأعضاء، ومعلوم أن مصر تحظى بتصنيف متقدم على المستوى العالمي في هذه العمليات المشبوهة، بل تصنف ضمن العشرة الكبار عالميا في عمليات المافيا والتهريب التي تقودها غالبا قيادات نافذة بما تسمى بالأجهزة السيادية كالجيش والمخابرات والداخلية.

ثانيًا: تستهدف الحكومات من تغيير العملة أيضا معرفة حجم الاقتصاد الموازي الذي لا وجود له في سجلات الحكومة، وليس مدونا في أي جهة مالية أو مصرفية أو رسمية مثل صغار المهنيين والتجار والباعة الجائلين وأصحاب عربات الفول والكبدة والفيشار وغيرها. فالاقتصاد الموازي هو كل نشاط اقتصادي غير مسجل في حسابات الناتج المحلي وغير مدرج في الدخل القومي.

سحق الفقراء والمهمشين

فإذا علمنا علم اليقين أن كبار القادة والجنرالات هم وراء عمليات التهريب وغسيل الأموال المشبوهة وتهريب الآثار والمخدرات والسلاح؛ فإننا نستبعد الهدف الأول من تغيير العملة،  فالسيسي لن يجرؤ على مواجهة مافيا التهريب لأنه أصلا زعيم العصابة. ويبقى الهدف الثاني وهو رصد الاقتصاد الموازي من أجل مضاعفة الضرائب والجباية من جيوب الملايين من صغار التجار والصناع والباعة الجائلين؛ الذين لا يملكون شوكة يحسب لها نظام السيسي حسابا.

وأمام التدهور الحاد الذي يعاني منه الاقتصاد المصري، خصوصا بعد تفشي وباء كورونا وتراجع موارد الدخل القومي الأساسية مثل السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج والتصدير، وأمام تلاشي الأمل في مساعدات خليجية جديدة بعد انهيار أسعار النفط وهبوط الوضع المالي لاقتصادات دول الخليج ورعاة الانقلاب في السعودية والإمارات وحتى الولايات المتحدة الأمريكية والعالم كله، فإن حكومة السيسي تبحث بلهفة عارمة عن موارد جديدة من أجل زيادة الإيرادات، بما لا يسمح بانهيار المنظومة المالية وعدم قدرة الحكومة على توفير الأساسيات من غذاء وأجور ورواتب.

قيمة الاقتصاد الموازي

وبحسب دراسة أعدها اتحاد الصناعات المصري، في عام 2018، فإن الاقتصاد الموازي في مصر يقدر بـسبعة تريليونات جنيه مصري، وعندما نعلم أن الإيرادات الضريبية تقدر بــ770.3 مليار جنيه، لكل أنواع الضرائب سواء الدخل أو القيمة المضافة أو الجمارك أو العقارية، فإن نظام السيسي يستهدف مضاعفة الضرائب من أجل سد العجز المرتقب في تراجع الموارد الأساسية للدولة.

يعزز من هذه التوجهات أن بيان وزارة المالية بحكومة الانقلاب الذي تلاه أمس الثلاثاء أمام برلمان العسكر، كشف عن أن الحكومة تتجه لاقتراض نحو ترليون جنيه؛ فإذا علمنا أن ديون مصر وصلت فعليا إلى 115 مليار دولار خارجيا و4.5 تريليون جنيه محليا؛ فإن الديون سوف تتجاوز الــ7 تريليونات جنيه، وهو رقم أقرب إلى إعلان الإفلاس؛ ولن يوقفه إلا بضم الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي.

سوف يترتب على هذه التوجهات الحكومية الجديدة تحسين منظومة الجباية لتطول هذه المرة جيوب الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة من صغار التجار والصناع والباعة الجائلين والمحلات الصغيرة كالحلاقة والبقالة وغيرها، وحتى أصحاب عربات الفول والبطاطا والأيس كريم وغيرها؛ وهؤلاء يعانون أشد المعاناة منذ انقلاب السيسي منتصف 2013م، وقرارات التعويم في نوفمبر 2016م، ورفع أسعار الوقود وجميع السلع والخدمات بما يصل إلى 300% عما كانت عليه قبل اغتصاب السيسي للحكم بانقلاب عسكري.

من أجل رصد هذه الأموال إضافة إلى تغيير العملة؛ يتجه نظام السيسي نحو “فوترة النشاط الاقتصادي”؛ بمعنى إجبار الجميع على التعامل بفواتير رسمية بما يحمله هذا من ضرورة ترخيص جميع أوجه النشاط وإلا تعرض أصحابها للملاحقة والغلق، وترصد جهات حكومية نحو 1200 سوق  كبيرة في مختلف المحافظات تتعامل كلها بلا فواتير أو أوراق رسمية.

حيتان سوق العقارات 

وبحسب دراسة حديثة لـ”اتحاد الصناعات المصرية”، تدرِج سوق العقارات غير المسجلة في هذا الاقتصاد؛ فأغلب إمكانات تعظيم الثروة تكمن في الاستثمار والمضاربة أو وضع الأموال في عقار بدلاً من البنوك أو الاستثمار في عملية إنتاجية، لما يوفره من عائد جيد وأمان وعدم مخاطرة.

وهناك تقديرات بأن مليوني مسكن مسجلة في “الشهر العقاري” من أصل 25 مليونًا مخصصة للتأجير (أي 8 في المائة رسمية)، أمّا الباقي (92 (%فيتم التعامل فيها بعقود عرفية، وهناك 45 ألف مصنع خارج دفاتر الحكومة، وهي ما تسمى بمصانع “بير السلم”، إضافة إلى عمليات البناء المخالف وما يسمى بالكاحول؛ لدرء الشبهات عن مافيا الأراضي والمقاولات والعاملين بالأجر اليومي في قطاع الإنشاءات أو تنظيف المنازل أو الخدمات المنزلية بشكل عام، وسائقي مركبات التوك توك، ومافيا الدروس الخصوصية والمهندسين والأطباء والمحامين أو غيرهم من العاملين في القطاع الحر بدون أن تكون لهم بطاقة ضريبية، وعربات الطعام في الشارع (بعضهم يدفع إتاوات إلى البلدية أو غيرها، لكن هذه الإتاوات لا تُسجل في الدفاتر الرسمية) بالإضافة إلى الباعة في الأسواق والباعة الجائلين الذين يقدرون بالملايين.

أزمة الحكومة مع هؤلاء جميعا هو فقدان الثقة المتبادلة؛ فكلاهما ينظر إلى الآخر باعتباره خصما وعدوا، وهو انعكاس حقيقي لفقدان الانتماء وغياب معنى الوطنية التي يحترف النظام العسكر وآلته الإعلامية الثرثرة عنها بالصراخ المستمر عن وطنية زائفة وانتماء مزعوم. في الوقت الذي ينهبون فيه أموال الوطن بلا وخز من ضمير أو خوف من حساب.

فساد النظام وغياب الشفافية وانعدام العدالة أفضى إلى هذا الوضع الكارثي؛ فهل فرغ الوطن من مخلصين عقلاء يوقفون هذا النزيف المستمر والسقوط الذي لا يتوقف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟