هل ينجح السيسي في توريث الحكم لأحد أبنائه الضباط؟

- ‎فيتقارير

سلطت صحيفة "التايمز" البريطانية، في إبريل 2019م، الضوء على مخططات التوريث التي يتبناها السفاح عبد الفتاح السيسي، وقالت إن الجنرال وظف أبناءه الثلاثة بمناصب عسكرية ومدنية مرموقة لمساعدته في البقاء بمنصبه حتى 2030، في الوقت الذي يواصل فيه تعزيز قبضته على السلطة. وأشارت الصحيفة إلى أن الثورة المصرية عام 2011 كان من بين أهدافها منع الرئيس الأسبق حسني مبارك (90 عاما) من توريث نجله جمال (55 عاما) ومع ذلك، يُقال إن محمود نجل السيسي، وهو عميد في جهاز المخابرات العامة، كان يشرف على لجنة غير رسمية ترصد التقدم المحرز في “االتعديل الدستوري” الذي يمهد لتمديد فترة استيلاء السيسي على الحكم إلى 2030 على الأقل. أما مصطفى وهو الابن الأكبر للسيسي -وفقا للصحيفة- مسئول كبير في هيئة الرقابة الإدارية التي اكتسبت مكانة عالية في عهد السيسي، وهو يحاول تأكيد سلطته وسلطة الجيش على الأجهزة الإدارية في الدولة، بالإضافة إلى انضمام الابن الثالث، حسن وهو مسئول تنفيذي سابق في مجال النفط، إلى جهاز المخابرات. وألمح التقرير إلى دور نجل السيسي في تمرير “التعديلات الدستورية” التي تفضي إلى بقاء السيسي على رأس السلطة حتى 2030 على أقل تقدير، وأن ترقيات أبناء السيسي تثير القلق حتى بين الموالين له.

هذه المخاوف عبر عنها أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة  إبان أزمة تمرير التعديلات الدستورية محذرا في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر”: “إذا سمح الشعب المصري بتمرير التعديلات الدستورية المقترحة حاليًا فليس من المستبعد نجاح السيسي ليس فقط في البقاء رئيسًا لمصر حتى عام 2034 وإنما أيضا في نقل السلطة من بعده لأحد أبنائه من العسكريين وبذلك يحقق ما عجز مبارك عن تحقيقه، فمتى ندرك أن هذه التعديلات تدخل مصر في نفق مظلم جديد؟”.

هل يتم التوريث؟

وكان مركز “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” وهو مركز صهيوني بحثي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد أصدر تقدير موقف في “31” يناير/كانون الثاني 2017، يؤكد فيه أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا.

«التوريث» إذا، يمضي وفق المخطط المرسوم يتولاه أنجال «المشير» الثلاثة مباشرة؛  تحت الإشراف المؤقت لرئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل. ومغزى تعيين «الأنجال» الثلاثة في مناصبهم التنفيذية والعسكرية العليا، وهو تيسير «التوريث»، وإبقاء «المشير» رئيسا لأطول فترة ممكنة، وهو الذي تمكن في فترة الرئاسة الأولى من إحكام قبضته على سلطات الدولة، وأمسك بمفاتيح الحكم المدني والأمني والعسكري والاستراتيجي، وقضى على كل المنافسين وعلى الاستقلال الحقيقي أو النسبي للأجهزة الرقابية والعليا والسلطة القضائية، وغير المواد الدستورية المانعة لعزل مسئوليها، وأعطى لنفسه الحق في تعيين مجلس القضاء الأعلى وعزل رئيسه وأعضاءه، وألغى ما جاء في دستور 2014 من مغاليق مُحكمة تمنع تعديل الدستور، وفَضَّ هذه المغاليق لتأبيد الحكم، وفتح باب الاستمرار المطلق في رئاسة الدولة».

من جهة ثانية فإن السيسي الأب يدرك اليوم أسباب فشل الرئيس السابق محمد حسني مبارك في إتمام مشروع توريث الحكم لنجله جمال وأهمها أن مبارك الابن لم يكن جنرالا بالمؤسسة العسكرية التي ترى عرش مصر حقا لها تتوارثه عبر الأجيال منذ انقلاب 23 يوليو 1952م. لكن نجل السيسي وأبناؤه جميعا باتوا قيادات رفيعة بالجيش والمخابرات وهيئة الرقابة الإدارية وبذلك لا حجة مطلقا  داخل الجيش ولا مخاوف من تولي مدني حكم البلاد فأبناء السيسي جميعا كلهم أبناء المؤسسة العسكرية.

السبب الثاني: يتعلق بحاشية رجال الأعمال التي أحاط مبارك الابن بهم نفسه، وجعلهم أهل مشورته وأصحاب الرأي والنفوذ في مجلس السياسات الذي أسسه تمهيدا لوراثة العرش؛  فقد رأى قادة الجيش في هؤلاء خطرا يهدد النفوذ الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وتهديدا للامبراطورية الاقتصادية للجيش التي ما كان ليتسامح مطلقا في التنازل عنها والتفريط في المكتسبات التي حققها الجنرالات منذ انقلاب يوليو1952 واتفاقية كامب ديفيد1979م، حيث تحول الجيش بسببهما من مقاتلين إلى (بيزنس مان)، يقاتلون الشعب بكل قواه من أجل (التكويش) على السلطة والثروة وبسط النفوذ. لكن شلة محمود وباقي أبناء السيسي هي المؤسسة العسكرية والأمنية.

السبب الثالث: هو هامش الحرية الذي تمتع به الشعب في عهد مبارك قياسا إلى الغلق التام في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو2013م، لكن السيسي نجح خلال السنوات السبع الماضية في القضاء تماما على جميع أشكال الحياة السياسية وحرية الرأي والتعبير وتحولت مصر إلى سجن كبير وسط هيمنة أمنية مطلقة على جميع مفاصل المشهد السياسي حتى ماتت مظاهر السياسة وطفت وهيمنت مظاهر السلطة الشمولية المطلقة على جميع مناحي الحياة.

مخططات محبوكة

السيسي يدرك كل هذه الأبعاد؛  من خلال خبراته كمدير لجهاز المخابرات الحربية من جهة، وتجربته كقائد عسكري قاد انقلابا وحشيا على نظام ديمقراطي؛  فعرف دهاليز المؤامرات والمكائد والدسائس وأوكار الرذيلة السياسية داخليا وإقليميا والتي تستهدف تقويض أي مسار ديمقراطي في مصر والعالم العربي.

لهذه الأسباب والمعطيات فقد أعد السيسي نفسه من أجل امتلاك الأدوات  التي يرى أنها تمكنه من تحقيق أهدافه؛ فهل يمكن أن ينجح السيسي في توريث الحكم لأحد أبنائه؟

الإجابة عن ذلك تتعلق بتحقيق أمرين مهمين:

الأول نجاح البرنامج الاقتصادي الذي يقوده السيسي منذ نوفمبر 2016م، وذلك بتوفير الملايين من فرص العمل، ورفع الأجور والمرتبات بما يتناسب مع حجم التضخم الذي جرى، وتخفيض أسعار السلع والخدمات وتراجع اعتماد النظام على الاقتراض والحد من تزايد معدلات الفقر و الديون التي تلتهم  نسبة كبيرة من ميزانية الدولة.

الثاني، هو قدرة السيسي على عبور السنوات القادمة بسلام وصولا إلى 2024 وهو توقيت الاستحقاق الرئاسي مع ضرورة فتح أبواب العمل السياسي أمام القوى والأحزاب.

ويبدو من المؤشرات القائمة أن ذلك أمر بعيد المنال خصوصا بعد التداعيات الاقتصادية العنيفة لتفشي جائحة كورونا في النصف الاول من سنة 2020م؛  إذا كيف يتم التوريث أصلا إذا كان نظام السيسي نفسه مهدد بعدم القدرة على البقاء لأسباب تتعلق بالفشل الاقتصادي والقمع السياسي واحتكار الجيش للسلطة والثروة؟!