السيسي يقدم كبش فداء للإيطاليين لإبعاد نجله من قضية ريجيني.. فمن هو؟

- ‎فيعربي ودولي

عندما تورطت أجهزة الانقلاب الأمنية في مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، أواخر يناير 2016، يبدو من الأدلة والشواهد أن رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي كان على علم بالأمر؛ ذلك أن نجله محمود الضابط بالمخابرات العامة كان على دراية كاملة بكل شيء من الألف إلى الياء. زاد من ورطة النظام أن نجل السيسي كان مشاركا في اتخاذ قرار اعتقال الباحث الإيطالي وبالتالي فإن وفاته مثلت ورطة كبرى للأجهزة التي قررت وضع مسرحية كان الهدف منها هو إبعاد التهمة عن نجل الدكتاتور المفضل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبعد نحو "50" يوما من العثور على جثة ريجيني التي لم تتعرف عليه والدته بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض لها داخل غرف ودهاليز أجهزة الأمن المصرية، ادعت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب تصفية تشكيل عصابي تخصص في سرقة الأجانب، وبحسب البيان فإنهم هم المتورطون في قتل ريجيني، لكن الرواية الأمنية كانت رديئة الإخراج؛ وجرى تصفية التشكيل العصابي المزعوم في تبادل مزعوم لإطلاق النار مع قوة الشرطة التي لاحقته ؛ وذلك حتى يتم غلق القضية ودون حتى إجراء أي تحقيق مع عناصر هذا التشكيل للوصول إلى حقيقة ما جرى. لكن الرواية الأمنية لم تقو على الصمود أمام الشواهد والبراهين والأدلة التي أكدت أن من جرى قتلهم هم مجرد أبرياء جرى التضحية بهم للتغطية على المجرم الحقيقي. وبالتالي فإن العثور على أوراق ريجيني يعني أنها كانت بحوزة أجهزة الأمن التي افتعلت قضية التشكيل العصابي للخروج من المأزق أمام الحكومة الإيطالية.
ومع التطورات الأخيرة في قضية ريجيني، حيث أغلقت سلطات الانقلاب "مؤقتا" ملف التحقيق، في ظل بقاء مرتكب واقعة القتل "مجهولا" كما وصفته؛ تعتزم النيابة الإيطالية إجراء محاكمة غيابية لـ5 أفراد يعملون بأحد الأجهزة الأمنية في عصابة الانقلاب. ويبدو السؤال مشروعا حول مصير المصريين الخمسة الذين اتضح بعد سنوات أنهم كانوا كبش فداء ذبحته عصابة الانقلاب من أجل إرضاء روما، وإبعاد التهمة عن نجل السفاح السيسي وآخرين.

محمود السيسي

وبحسب خبير القانون الدولي الدكتورمحمود رفعت، فقد جرى الكشف عن معلومات خطيرة بخصوص قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، والذي تتهم فيها إيطاليا ضباط أمن مصريين بالتورط في مقتله، في الحادثة المعروفة التي وقعت في يناير 2016 في العاصمة المصرية القاهرة. وقال رفعت خلال تغريدة له عبر حسابه الشخصي بموقع تويتر رصدتها الحرية والعدالة: “الحقائق الصادمة التي توعد رئيس وزراء إيطاليا كشفها بقضية ريجيني تتمثل بتورط محمود نجل السيسي بقتل جوليو ريجيني وحضر مع وزير الداخلية المصري وقتها مجدي عبد الغفار جلسات التعذيب”. وتابع: ” السيسي الآن يستميت لإبعاد اسم ابنه مقابل صفقات سلاح بمليارات وتحميل عبد الغفار القضية وحده”.
وفي السياق ذاته نشرت مجلة “جون أفريك” تقريراً كشفت فيه عن سعي السفاح السيسي بكل طاقته من أجل تأمين أمنه وحكمه وترقية ابنه إلى المرتبة الثانية في جهاز المخابرات المرتبط برئاسة الجمهورية، جاعلاً منه جنرالاً بشكل سري، قبل بلوغه السّن القانونية لذلك، لافتة إلى أن ذلك كتقليد في الأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط.
وتابعت المجلة الفرنسية نقلاً عن سيف الإسلام عيد، الباحث المصري في العلوم السياسية في معهد الدوحة للدراسات العليا، والذي قال: “إن هناك صورتين فقط لمحمود السيسي، ولم يسمع الجمهور صوته قط، فهو ظل والده. وإذا تحدثت عنه في مصر، تذهب مباشرة إلى السجن”.
إضافة إلى أن جزءا كبيرا من الرأي العام المصري يجهلون هذه الشخصية، حيث بدأ اسمه ينتشر على شفاه المعارضين والناشطين في سبتمبر عام 2019، على خلفية نشر الممثل ورجل الأعمال محمد علي مقاطع فيديو من إسبانيا تدين الأعمال الفخمة الخالية من الفواتير التي قال إنه قام بها لصالح عائلة السفاح السيسي، والطريقة التي يتبعها قائد الانقلاب لتحويل مصر إلى مملكة عائلية.
وزادت جون أفريك مشيرة إلى أن محمود السيسي هو الذي يقف خلف السياسة القمعية لوالده، واصفة إياه بـ"جمال مبارك" الجديد، موضحة أن السيطرة على الإعلام هي أحد الملفات التي يتولى محمود السيسي المسؤولية عنها داخل جهاز المخابرات العامة، الذي سيطر منذ عام 2016 على مجموعات كبيرة منه.
كما يذكر الباحث بالدور السياسي الجوهري الذي لعبه محمود السيسي في السنوات الأخيرة: فبحسب تسريبات داخلية، فقد كان ابن السفاح مهندس التخريبات الدستورية التي صدرت في عام 2019 والتي تسمح للسفاح بالترشح لرئاسة جديدة؛ فهو من يقف وراء حشد ائتلاف كبير حول حزب مستقبل الوطن الرئاسي للانتخابات التشريعية التي جرت نهاية عام 2020.

وقالت ”جون أفريك” إنه من السابق لأوانه القول بأن محمود يحضر نفسه لخلافة والده في محاولة أخرى لجعل مصر وراثية، معتبرة أن السفاح السيسي في صحة جيدة للغاية وما يزال يعتبر نفسه رئيسًا لعشرين عامًا مقبلة على الأقل، بحسب الباحث. وتساءلت ”جون أفريك”: إذا لم يكن يخطط لجعل محمود وريثا له، فهل سيستخدم السيسي أبناءه كما يفعل جاره وحليفه الليبي، المشير حفتر، الذي وضع خمسة من أبنائه في مناصب رئيسية في نظامه، ليحمي نفسه من الضربات الداخلية أكثر من خلافته؟
حقائق صادمة
وبعد عزم إيطاليا على إجراء محاكمة غيابية لأفراد من عصابة الانقلاب بتهمة قتل ريجيني، قالت صحيفة الجارديان إن القضية أصبحت بالنسبة لكثير من الإيطاليين والمراقبين الدوليين تمثل البحث عن العدالة ليس من أجل ريجيني، ولكن لآلاف المصريين الذين اختفوا وعذبوا على يد قوات الانقلاب.
وفي تقرير لها حمل عنوان "كم ريجيني في مصر منذ 2013؟" أكدت منظمة "كوميتي فور جستس" وصول حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز إلى 1058 حالة خلال الفترة من يونيو 2013 إلى أكتوبر 2020. وذكر المدير التنفيذي لـ"كوميتي فور جستس" أحمد مفرح أن ريجيني لم يكن الضحية الوحيدة لسلطات الانقلاب، فمن بعده جاء المواطن الفرنسي إريك لانج، والأميركي جيمس هنري لون، وغيرهما من الذين قتلوا بدم بارد، ومن دون محاسبة لقاتليهم ومعذبيهم حتى الآن، وسط صمت دولي مريب.
وقال الكاتب الصحفي بلال فضل، إن هناك مسؤولا أمنيا قرر قبل سنين حماية أمن مصر عن طريق اعتقال وتعذيب وقتل باحث إيطالي، وعندما فُضح أمره قرر مسؤول أمني آخر أن يقتل 5 مصريين من أجل إخفاء الجريمة الأولى. وتابع عبر حسابه على موقع فيسبوك: "شاركت كل الأذرع الإعلامية والمواطنين الشرفاء في حملة مسعورة تتهم المواطنين الخمسة بقتل ريجيني عشان يسرقوه، ولما تحولت الحكاية إلى فضيحة بسبب إصرار أهل ريجيني على محاسبة المسئول الحقيقي عن قتل ابنهم ما حدش اعتذر، ولا طالب بمحاسبة المسئول، حتى أهالي القتلى الخمسة اتهددوا بحياتهم لو نطقوا". وأضاف فضل أنه بعد إعلان إيطاليا أسماء ضباط الأمن المصري المتورطين في قتل ريجيني بالتزامن مع إعلان النيابة المصرية أن القاتل مجهول، لم يتذكر أحد المواطنين الخمسة الذين اتهموا بارتكاب الجريمة.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إن إجراء محاكمة في قضية اختفاء ومقتل الطالب والباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة يمثل "وسيلة للوصول إلى الحقيقة التي من المتوقع أن تكون صادمة". فإلى أي مدى ستكون الحقيقة صادمة؟ وهل يمكن للصفقات المليارية في السلاح والطاقة أن تتكفل بتخفيف الصدمة تأكيدا على أن المصالح فوق القيم والمبادئ عند معظم الحكومات الغربية؟!