“بياع كبدة وطباخة منزلية”.. الصحفيون يلجؤون إلى مهن القاع هروبا من فقر العسكر

- ‎فيتقارير

لم تكن سنة 2020 هي الأسوأ بالنسبة لحرية الصحفيين المصريين فقط، باعتبار الزيادة في عدد الصحفيين المعتقلين، وإنما كان أيضا الأسوأ من حيث حرية حركة الصحافة والإعلام، والذي ختمه السفاح عبد الفتاح السيسي باعتقال الكاتب الصحفي "عامر عبد المنعم"، وليس ختاما بالحالة المالية المتردية للصحفيين بعد جلوس معظمهم في البيوت بلا عمل، نتيجة إغلاق معظم المنابر الصحفية الورقية والإلكترونية الخاصة، والتي كانت المنفذ المالي الوحيد لهم.
وأعاد تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" حول أوضاع الصحافة في مصر الحديث مجددا عن حرية الإعلام وأسباب تراجع الصحافة بعد أن كانت رائدة في المنطقة العربية، وحسب وصف المنظمة تعد مصر واحدة من أكبر سجون الصحفيين بالمنطقة، وقد وضع التقرير هذا البلد في المرتبة 166 على مستوى العالم بحرية الصحافة.
بياع كبدة!
وقال التقرير الصادر مؤخرا إن سلطات الانقلاب تستخدم مبدأ مكافحة "الأخبار الزائفة" ذريعة لتبرير حجب الصفحات والمواقع الإلكترونية من جهة، وسحب بطاقات اعتماد الصحفيين من جهة أخرى. ولا تتقدم مصر في هذا المؤشر إلا على خمس دول عربية فقط هي اليمن والبحرين والسعودية وسوريا وجيبوتي، وذلك من إجمالي 22 دولة، وتتقدم معظم أفريقيا "54 دولة" على مصر الأعرق في تاريخ الصحافة، باستثناء دولتين فقط هما إريتريا وجيبوتي.
من جهتها تقول الكاتبة الصحفية خديجة عبده، في منشور على فيس بوك رصدته "الحرية والعدالة": "أحوال الصحفيين في بلادي: زميل بعد 30 سنة من العمل الصّحفي يفتتح دكانا، "علشان يحوش قرشين للأولاد" على حد تعبيره! وآخر يُشارك في "قهوة بلدي" كي يصرف على المهنة ومطالبها، وزميلة تُعدّ وجبات طعام منزلية، ورابعة تبيع ملابس للمحجبات "أونلاين"، وعاشرة تفتتح عربة لبيع سندويتشات كبدة، والبعض يشارك في مطعم أو كافيه.. و.. و.. والنماذج -كالأحزان- لا تنتهي. إذ كيف يدافع عن المظلومين مَن يشعر بالغُبن؟!".
ويقول الصحفي محمود الشاوي: "للأسف..ده غير الحياة المحفوفة بالرعب؛ لأن كلمة صحفى باتت جريمة شنعاء..إنها تراكمات من التنازلات التى أطاحت بنا..ومش عاوز أقول إن فيه زملاء شغالين أوبر وكريم ..!!".
ويقول الصحفي بهاء أحمد :"نسيت اللي بيشتغل جزار أيام عيد الأضحى. قالت هذا رئيسة تحرير مجلة قومية في برنامج على قناة حكومية، عندما جاء أحدهم ليدبح خروف الأضحية، وعند حسابه، طلب المزيد، وهو يقول لها، احنا زملا يا أستاذة".
ويرد الصحفي هشام المصري: "الشغل مش عيب مهما كان، بس العيب على النقابة اللي سيبانا للزمن ينهش فينا، العيب عليهم في تركهم لشوية مرتزقة يتاجروا بأحلام الشباب، العيب إن الصحافة مبقتش تعرف يعني إيه عيب".
وتقول مروة عباس: "طيب إحنا نعمل بوست، وكل واحد يحط شغله، أو لينكات صفحته وشغله ( أون لاين .. طعام.. ملابس قهوة) وننفع بعض.. وإحنا أولى من الغريب.. واهو ع الأقل نبقى عملنا تكافل اجتماعي..كلامي جد مش هزار والله".
حالة عداء مبكرة دشنها السفاح السيسي بين عصابته وبين الصحفيين، وانتقد في بداية تدشين مسرحيته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية، الإعلاميين المناهضين لحكمه، واعتبرهم يشوهون الحقائق التي تحدث بمصر، وهو التصريح الذي واصلت بعده آلة القمع الأمنية والقضائية انتهاك حرية الصحافة والصحفيين على نحو واسع.
وقد رصد المتابعون أن السفاح السيسي استخدم مصطلح "نشر أخبار كاذبة تهدد الأمن القومي"، للتنكيل بمعارضيه حتى لو لم يكونوا من العاملين بمهنة الصحافة، وهي التهم الموجهة للكاتب الصحفي عامر عبد المنعم، والذي يقبع حاليا بلا أي محاكمة في زنزانة انفرادية في سجن طرة، محروما من ملابسه الشتوية وأدويته خصوصا أنه مريض بالسكر وأجرى عمليتين جراحيتين في عينيه.
سيطرة العسكر
وحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن مصر من أسوأ ثلاث دول في ملف حبس الصحفيين علي مستوى العالم، وتحدثت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن اتساع سجن الصحفيين بمصر، من خلال التوسع باعتقال الصحفيين والإعلاميين والمدونين، بالإضافة لسن العديد من القوانين التي فرضت سيطرة الدولة الكاملة على مهنة الصحافة، ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتوقعت دراسة بحثية قام بها "معهد التخطيط القومي" التابع لوزارة التخطيط في حكومة الانقلاب أن تتسبب أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد في ارتفاع معدل الفقر في مصر، ليرتفع عدد الفقراء بما يتراوح ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون فرد خلال العام المالي 2020- 2021 وفقا لسيناريوهات مختلفة.

وقالت الدراسة، التي حملت عنوان "التداعيات المحتملة لأزمة كورونا على الفقر في مصر"، إنها استندت في قياس أثر أزمة جائحة كورونا على الفقر في مصر إلى ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى الدخل، وارتفاع مستوى التضخم. وأضافت: "أظهرت النتائج أن انخفاض نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر في مصر بنحو 0.7 نقطة مئوية، وكذلك فإن زيادة معدل البطالة بنحو نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر بنحو 1.5 نقطة مئوية، في حين أن زيادة معدل التضخم بنحو نقطة واحدة مئوية يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر بنحو 0.4 نقطة مئوية".
ولفتت الدراسة الحكومية إلى أن "زيادة أعداد المتعطلين عن العمل تعتبر أحد الروافد الرئيسية للفقر، ومن المتوقع أن يرتفع عدد المتعطلين عن العمل في مصر جراء الأزمة الحالية، إما نتيجة فقدان وظائفهم أو تراجع فرص العمل المتاحة أمام الباحثين عن العمل نتيجة تراجع الأداء الاقتصادي بصفة عامة وانخفاض الاستثمارات الخاصة".
وأشارت إلى أن "وزارة التخطيط قدّرت عدد المعرضين لفقد وظائفهم بنهاية العام المالي 2019/ 2020 بنحو 824 ألف عامل، وفي حالة استمرار الأزمة حتى نهاية عام 2020 من المتوقع أن يصل العدد إلى 1.2 مليون فرد، معظمهم في قطاعات تجارة الجملة والتجزئة والنقل والتخزين والصناعة التحويلية وخدمات أفراد الخدمة المنزلية الخاصة بالأسر، والسياحة".
وأردفت: "يُضاف إلى ذلك العمالة العائدة من الخارج، وخاصة دول الخليج، والتي تأثرت بشكل ملحوظ جراء جائحة کورونا، بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط وهو المصدر الرئيسي للدخل بهذه الدول". وقالت: "بالطبع تمثل عودة العمالة المصرية صدمة لسوق العمل المصري خاصة في ظل عدم قدرة سوق العمل على استيعاب هذه العمالة العائدة، والتي لا يوجد لها حصر دقيق حتى الآن وخاصة أن ترتيب إجراءات عودتهم إلى مصر تأخذ وقتا طويلا في ظل تعليق رحلات الطيران بين كافة الدول".
إن الحديث عن الصحفيين العاطلين في زمن السفاح السيسي يعني كفاءات مجمدة، وخبرات معطلة، وطاقات مستنزفة يخسر الوطن إسهاماتها في كل يوم، هذا ناهيكم عن العديد من الصحفيين الذين فقدوا وظائفهم واضطروا للعمل في وظائف لا تتناسب مع خبراتهم أو حتى مكانتهم التي كانوا عليها كسلطة رابعة في المجتمع.