“نيويورك تايمز”: في مواجهة السعودية.. بايدن يتحسس خطاه مع الحليف المقرب

- ‎فيعربي ودولي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب بن هوبارد، علق خلاله على قرار الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن بالإفراج عن التقرير الإستخباراتي المتعلق بقضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول. 

ويشير المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، إلى أن الرئيس بايدن وإدارته لا يتحدثان عن المصالح المحسوبة في التعامل مع بقية العالم، ويرون أن الأمر يتطلب المزيد من السماح لقيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان بإرشاد الناس، لكن في تعامل الإدارة مع الإفراج العلني عن تقييم إستخباراتي في الأسبوع الماضي خلص إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على العملية التي أدت إلى مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، سادت المصالح الإستراتيجية الأمريكية.

بعض المساءلة

وقال الكاتب إن الولايات المتحدة سعت إلى فرض بعض المساءلة على الجريمة، ففرضت عقوبات على مسؤول سابق في الإستخبارات والقوة السرية التي قتلت خاشقجي، و تراجع بايدن عن معاقبة الأمير محمد للحفاظ على العلاقة مع السعودية. مضيفا أن إدارة بايدن، ترى أن المملكة العربية السعودية كانت في كثير من الأحيان جهة فاعلة سيئة، ويُنظر إلى الأمير محمد على أنه مغرور فظ سمح له بالخروج بالعديد من التحركات المدمرة، في المقابل، ينتاب السعوديين غضب من الولايات المتحدة بسبب التركيز على قضايا حقوق الإنسان مثل قضية خاشقجي.

وأضح الكاتب أن الأمير محمد بن سلمان أصبح كالصاعقة خلال صعوده إلى السلطة منذ اعتلاء والده الملك سلمان العرش في عام 2015. ويشيد السعوديون بدافع الأمير البالغ من العمر 35 عاما لتنويع الاقتصاد وفتح المجتمع من خلال ترويض الخطاب الديني وتخفيف القيود المفروضة على النساء، وقد صفق مسؤولو الولايات المتحدة لهذه التغييرات، ولكن صعود الأمير محمد تخلله أفعال جعلتهم يمتعضون: قتل المدنيين في اليمن بالقنابل الأمريكية الصنع، واعتقال رجال الدين والنشطاء، فضلا عن تهميش أمراء عرفهم الأمريكيون ويثقون بهم.

وأشار الكاتب إلى أن التقييم والعقوبات التي كشفت عنها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي قد تناول أكثر هذه التجاوزات دراماتيكية: إنشاء الأمير محمد لفريق سري يعرف باسم "قوة التدخل السريع" لملاحقة وإسكات المنشقين في الداخل والخارج، وبالحديث عن هذه القوة، قالت وزيرة الخزانة جانيت إل. يلين إن الولايات المتحدة "تقف صفا واحدا مع الصحفيين  والمنشقين السياسيين في معارضة تهديدات العنف"، وإنها "سوف تستمر في الدفاع عن حرية التعبير، التي تشكل الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الحر".

تعقيد القرار الأمريكي

ولفت المقال إلى أن ما يزيد من تعقيد قرار الإدارة الأمريكية حول كيفية التعامل مع الأمير محمد هو الاحتكار شبه الكامل للسلطة الذي منحه له والده، وقال ديفيد رونديل، الرئيس السابق للبعثة في سفارة الولايات المتحدة في الرياض، إن الملك سلمان، البالغ من العمر 85 عاما والمريض، فوض ابنه بسلطة هائلة لمنع معركة خلافة خطيرة بين الأمراء الأصغر سنا، مضيفا : "قام الملك بالخداع عن طريق تكليف رجل واحد بالقيادة وهندسة جانب كل المتنافسين". "الآن لا يوجد رقم ثلاثة".

ورفض السعوديون تحركات بايدن على أنها محاولة للتمييز بين نفسه والرئيس دونالد ترامب، وقبل صدور تقرير خاشقجي، اتهم محللون سعوديون الولايات المتحدة بالتلاعب به لتشويه صورة الأمير محمد واستخدام القضية في كسب ود إيران على أمل تسهيل صفقة نووية جديدة ورفض آخرون ما خلصت إليه اللجنة من نتائج لعدم توافر الأدلة.

وكتب جابر السيوات، وهو مهندس سعودي، على تويتر: "لم يكن باستطاعتنا أثناء قراءة تقرير الإستخبارات الأمريكية عن مقتل خاشقجي إلا تذكر السيدة العجوز التي كانت تصرخ في الإعلان القديم: "أين لحم البقر"؟ 

وأضاف: ينبغي على المملكة تنويع الإنتاج العسكري وتحويل الاستثمارات الدولية بعيدا عن الولايات المتحدة، مضيفا "لقد أثبت الأمريكيون مرارا وتكرارا أنهم ليسوا شركاء جديرين بالثقة".

وقد اشتعلت التوترات مرارا وتكرارا في ال ٧٦ عاما منذ أن وضع الرئيس فرانكلين د. روزفلت والملك عبد العزيز جد الأمير محمد الأسس للشراكة القائمة على الوصول الأمريكي إلى النفط السعودي في مقابل ضمان أن الولايات المتحدة ستدافع عن السعودية ضد التهديدات الخارجية.

وفي حين أن هذا الاتفاق يستند فقط إلى المصالح الإستراتيجية، فإن قيم البلدين – الديمقراطية المستثمرة في حماية الحقوق الفردية والملكية الإسلامية التي لا تسامح إلا قليلا مع المعارضة – كانت مختلفة إلى حد كبير.

تصرفات حمقاء

وقد كشفت بعض تصرفات الأمير محمد عن تلك التوترات، مثل إجباره رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة واحتجازه مئات من أغنى أمراء المملكة ورجال الأعمال في أحد فنادق الرياض بتهمة الفساد، في عام ٢٠١٧.

لكن أياً من تحركاته لم يصنفها المسئولون الأميريكيون أكثر خطرا من إنشاء قوة التدخل السريع، التي أذن الأمير محمد لها بملاحقة المنشقين السعوديين: عبر الإنترنت من خلال المراقبة الإلكترونية والقرصنة، ثم من خلال البحث عنهم جسديا في الخارج.

وفي حين عمل جهاز الإستخبارات السعودية لفترة طويلة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب وقضايا أمنية أخرى، فقد أديرت العملية المناهضة للمنشق من قبل اثنين من أسر الأمير محمد، سعود القحطاني، الذي فرضت الولايات المتحدة العقوبات عليه في عام ٢٠١٨، وأحمد عسيري الذي عوقب يوم الجمعة، وهذه العملية هي التي انفجرت في وجه الأمير محمد الأسبوع الماضي.

وتحدث المسؤولون السعوديون عن حاجة المملكة إلى تنويع شراكاتها الدولية، وقد تسرع العلاقات السيئة مع بايدن هذا التحول، يقول السيد روندل، رئيس البعثة السابق: إذا ضغطت إدارة بايدن إلى هذا الحد، فإن السعوديين سيذهبون إلى مكان آخر، والآن لديهم خيارات أكثر مما كانوا عليه سابقا.

لقد تحسنت العلاقات السعودية مع روسيا في عهد الملك سلمان؛ لقد أقام الأمير محمد صداقة حميمة من نوع ما مع الرئيس فلاديمير بوتين، وينسق البلدان سياسة النفط، كما زاد السعوديون من علاقاتهم مع الصين، التي أصبحت أكبر شريك تجاري لهم، والتي تمتنع عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان السعودية، لكن خبراء آخرين قالوا إن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية أعمق من أن يتم التخلي عنها بسرعة.

وقال برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون الذي يدرس المملكة: "لا شك في أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن تشير إلى الولايات المتحدة بأن لديها خيارات أخرى وأنها ستضع بعض البيض في السلة الصينية وبعضها في السلة الروسية". وأضاف "لكن الحقيقة هي انه لا يمكن لأحد أن يحل محل الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسعودية".