لماذا يشعر السيسي بخيبة أمل في موقف الإمارات من أزمة سد النهضة؟

- ‎فيتقارير

يشعر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بخيبة أمل كبيرة في الموقف الإماراتي من أزمة سد النهضة مع إثيوبيا؛ وذلك في اعقاب البيان الإماراتي الأخير حول دور الوساطة الذي حاولت أبو ظبي القيام به بين الدول الثلاث. وبحسب تقارير إعلامية فإن البيان الإماراتي أثار استياء واسعا في أروقة عصابة الحكم في مصر؛ فقد حمل البيان لهجة ومفرادات وصفتها مصادر مطلعة بحكومة الانقلاب أنها مخيبة للآمال المصرية.
وكانت أبو ظبي قد أصدرت بيانا الخميس الماضي غرة أبريل 2021م، أكدت خلاله على اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان. كما أكدت أهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية للوصول إلى حل يقبله الجميع ويؤمن حقوق الدول الثلاث وأمنها المائي، وبما يحقق لها الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، ويضمن ازدهار وتعاون جميع دول المنطقة.
علامات استفهام

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" اللندنية عن المصدر الدبلوماسي المصري قوله إن "هناك علامات استفهام على الموقف الرسمي من جانب الإمارات، وتحركاتها بشأن أزمة سد النهضة على وجه الخصوص، ومساعيها للوساطة بين السودان وإثيوبيا في قضية الحدود بين البلدين، وعرضها الوساطة بين الأطراف الثلاثة بما فيها مصر لحل أزمة سد النهضة، في وقت لم تقدم أبوظبي ما هو مأمول منها من جانب القاهرة في الأزمة، اعتماداً على ما تملكه من علاقات ونفوذ لدى أديس أبابا". وأضاف المصدر أن "القاهرة قررت الاعتماد على ما تملكه من مسارات في تلك الأزمة، دون الاعتماد على مساعدة من أطراف كنا نظنهم حلفاء"، بحد تعبير المصدر، الذي أكد أن "المنحى التصاعدي في التعامل مع الأزمة بدأ بالتصريحات الأخيرة للرئيس خلال زيارته لقناة السويس".
في ذات السياق، أعلنت الإمارات إرسال مساعدات إنسانية إلى إقليم "تيجراي" الإثيوبي بعد يومين من تهديدات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بـ"رد لا يمكن تخيله سيتردد صداه في المنطقة" في حال تأثرت إمدادات بلاده من المياه بسبب السد الذي تشيده إثيوبيا. وتأتي المساعدات الإماراتية المتكررة في إطار المساعدات الإنسانية التي تفرضها العلاقات الوطيدة بين البلدين كما يقول مسؤولو أبو ظبي، ويراها مراقبون أنها تأتي في إطار تعزيز وتدعيم حكومة آبي أحمد للحفاظ على استقرار البلاد وبالتالي مصالحها هناك.
وكان رئيس الانقلاب قد أصدر تصريحات يهدد فيها بإجراءات ستفضي إلى عدم استقرار المنطقة كلها بصورة لا يتخيلها أحد، الأمر الذي فهم على أنه تهديد صريح بالحرب. وفي أعقاب تصريحات السيسي، أصدرت دول عربية بيانات تدعم حقوق مصر والسودان المائية في مياه النيل، مؤكدة على أن "أمنها المائي جزء لا يتجزأ من الأمن العربي". وقد أصدرت السعودية والبحرين بيانات تضامن مع الموقف المصري، لكن موقف الإمارات جاء مغايرا أقرب للحياد واكتفت في بيان لها، بالدعوة لاستمرار المفاوضات، معربة عن "اهتمامها وحرصها الشديد على استمرار المفاوضات للوصول إلى حل يرضي الجميع".
كان مصدر مطلع بحكومة الانقلاب قد صرح لموقع "مدى مصر" أن "الإمارات، حتى الآن، لم تدعم مصر في مسألة السد الإثيوبي، رغم قدرتها على ذلك بما تتمتع به من استثمارات كبيرة في إثيوبيا". وأوضح المصدر أن الإمارات لديها أفكار ومصالح في منطقة البحر الأحمر، وهذا أمر مختلف عن دعم مصر، فيما تشهد العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي مرحلة "إعادة حسابات"، بحسب وصف مسؤولين مصريين.
ويرى مراقبون أن موقف أبو ظبي الأخير، يعكس توترا مكتوما بين البلدين على خلفية التباين في مواقف البلدين إزاء العديد من قضايا المنطقة، على رأسها الاندفاع الإماراتي سياسيا واقتصاديا وعسكريا نحو "تل أبيب" وقيادة حملة غير مسبوقة للتطبيع مع الاحتلال، تتجاوز الدور المصري؛ الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه مع دولة الاحتلال على المستوى العسكري من خلال التوافق على نشر منظومة القبة الحديدية في القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج بعد موافقة المسؤولين الإسرائيليين، حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية مطلع العام الجاري.

الموقف الإماراتي

وقبل أن يجف حبر التطبيع بين البلدين في أكتوبر 2020، وقعا اتفاقا يتعلق بشحن النفط الخام ومنتجاته القادمة من الإمارات، إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب للنفط في "إسرائيل" يربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وليس عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد المصري. إضافة إلى موقف الإمارات المتحفظ على محاولات استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر على خلفية رسائل التقارب بين أنقرة والقاهرة، وما تبعها من تفاهمات بين الجانبين في بعض القضايا مثل تحييد خطاب قنوات إعلام المعارضة المصرية التي تبث من إسطنبول. وكذا تغلغل أبوظبي في القرن الإفريقي وبناء شبكة علاقات قوية مع إريتريا وإثيوبيا من خلال توفير الدعم الاقتصادي والعسكري يعزز تواجدها في المنطقة ويسهل عليها التحكم في طرق الملاحة في باب المندب جنوبي البحر الأحمر بدعوى مواجهة النفوذ التركي، بحسب خبراء.
الموقف الإماراتي في حقيقته يمثل تهديدا للأمن القومي المصري في الصميم؛ فأبو ظبي وفرَّت ولا تزال دعما كبيرا لأديس أبابا لبناء السد الذي يهدد الوجود المصري ويستهدف منع مصر من حصتها المائية؛ لأن أولويات أبو ظبي هي حماية مصالحها وضمان نفوذها الواسع في إثيوبيا والقرن الإفريقي.
ويرى مراقبون أن الموقف الإماراتي من تصريحات السيسي بشأن مياه النيل يتماشى مع موقفها من أزمة غلق قناة السويس بسبب جنوح سفينة حاويات في مدخلها الجنوبي؛ لم يكن لها موقف معلن وقوي وداعم لمصر؛ لأن أبو ظبي أصبحت جزءا من منظومة الاستثمار الإسرائيلي في قضية الهيمنة على المياه والمضائق". وتستهدف الإمارات التحرك باتجاه أن يكون لها استثمارات استراتيجية تعيد قراءة المشهد بالمنطقة تحت سقف واحد وهو سقف المشاريع الإسرائيلية، وكأنها (الإمارات) تستقرئ المستقبل حيث إن المرحلة المقبلة مرحلة صراعات مياه وتدخل معها صراعات المضائق المائية والطاقة".
وتبدو التحركات الإماراتية متسقة مع التوجهات الإسرائيلية في المنطقة والتي تمضي في خطين مزدوجين؛ خط طريق الحرير مع الصين، وتريد أن تكون هي المحطة الرئيسية بالمنطقة، والسيطرة على مضائق المياه، وشراكتها مع الإمارات تجعل موقفها أقوى في باب المندب، من جهة وقناة بن جوريون التي يتحدثون عنها من جهة أخرى؛ وبالتالي فإن الإمارات وضعت قدما هنا وأخرى هناك، وتتصور مشهدا مستقبليا تأمل من خلال الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل أن يكون لها دور قادم أقوى من جيرانها بالمنطقة، مع إضعاف القوى التقليدية في المنطقة تركيا وإيران وحتى مصر والسعودية؛ حتى يبقى التحالف الإسرائيلي الإماراتي هو الأقوى والأكثر هيمنة على المنطقة بأسرها.