حدائق “العاصمة الجديدة” تحرم المصريين من مياه النيل!

- ‎فيأخبار

في الوقت الذي حظرت فيه حكومة الانقلاب سكان 7 محافظات مصرية من استخدام المياه إلا للشرب فقط وهي شمال سيناء وبورسعيد ودمياط والبحيرة والإسكندرية ومطروح والبحر الأحمر، بسبب أزمة نقص المياه التي أحدثها بناء سد النهضة الإثيوبي وتراجع نصيب مصر من مياه النيل بنحو 20 الى 25 مليار متر مكعب، حسب ظروف الفيضان بإثيوبيا، إلا أن حدائق العاصمة الإدارية التي يهدر على بنائها السيسي مئات المليارات من الجنيهات تحظى بوفرة كبيرة من المياه حتى تبقى أشجارها ناضرة تسر رجال الحكم وأثرياء القوم.

السيسي بدلا من الدفاع عن حقوق مصر المائية وحماية الأمن القومي المصري، راح يسن القوانين ويصدر القرارات التي تحظر على المصريين استخدام المياه، ومن جهة أخرى راح يدشن مشروعات بديلة تتعلق بتحلية مياه البحر والصرف الصحي.

وفي الوقت الذي يحرم فيه المصريون المياه، فإن السيسي لا يتورع عن إهدار المليارات على مشروع توصيل مياه النيل لعاصمته الإدارية التي تبعد عن القاهرة نحو 60 كم. حيث يجري شق المشاريع الكبيرة لمد خط أنابيب وخزانات مياه من مدينة العاشر من رمضان ومن القاهرة الجديدة، ومن النيل مباشرة عند مدينتي المرازيق وغمازة جنوب حلوان لإيصال مليون ونصف المليون من مياه النيل إلى العاصمة الإدارية الجديدة لري مشاريع الأشجار واللاند سكيب وملاعب الجولف والنهر الأخضر في قلب الصحراء.

مشروعات توصيل مياه النيل لعاصمة السيسي تأتي في وقت كان الأولى فيه تغذيتها من مشاريع تحلية المياه من البحر؛ فذلك أجدى اقتصاديا كما في المدن المجاورة لها كالعين السخنة ومشاريع الجونة لقربها من البحر الأحمر، إلا أن السيسي الذي قامر بمياه النيل ووقَّع مع إثيوبيا في 23 مارس 2015 اتفاقية سد النهضة ليتنازل عن حقوق مصر، يصر الآن على إهدار ما تبقى من مياه النيل، ويحصرها للأغنياء فقط في منتجعاته بالعاصمة الإدارية ، في الوقت الذي يحارب فيه زراعات المحاصيل الإستراتيجية كثيفة استهلاك المياه كالأرز وقصب السكر والموز وغيرها.

السطو على أراضي غمازة والمرازيق

الأدهي والأسوأ من ذلك لجوء نظام السيسي للأساليب الملتوية والقمعية في الاستيلاء على أراضي المواطنين التي تستمر بها خطوط تغذية العاصمة الإدارية بمياه النيل. وكان رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، اللواء أحمد زكي عابدين، كشف، عن تنفيذ محطة مياه رئيسية لتغذية مشروع العاصمة الإدارية، من مياه النيل جنوب حلوان، بطاقة إجمالية مليون ونصف متر مكعب يوميا.

فيما تناولت تقارير إعلامية وتلفزيونية عدة، إصدار حكومة السيسي قرارات بنزع ملكية أراضي واسعة من المزارعين في مناطق غمازة والمرازيق بالجيزة، حيث ستكون مأخذ المياه الواصلة للعاصمة الإدارية مباشرة من النيل، وهو ما رفضه الأهالي. وخلال اجتماعات مشتركة بين لجان حكومية ومزارعين مالكين لأراض بالمنطقة، رفض المزارعون التقديرات المتدنية لأسعار أراضيهم التي يرغب السيسي في الاستيلاء عليها، مطالبين بتقديرات مناسبة لأراضيهم، وهو ما دفع السيسي للتلاعب عبر وسائل إدارية قذرة تنم عن قمعه وولعه بالنهب وسرقة ممتلكات المواطنين بالباطل، فقررت اللجان الحكومية المتفاوضة مع الأهالي، وفق شهود عيان نقلت عنهم كقناة مكملين، أن اللجان أخبرت المزارعين بنزع أراضيهم. استنادا إلى أن الكثيرين منهم ليست لديهم مستندات تؤكد ملكية هذه الأراضي التي ورثوها عن آبائهم، وأن هذه الأراضي غير مسجلة في الشهر العقاري أو الجمعيات الزراعية، وهو ما يمثل تمهيدا لنزع تلك الأراضي بلا تعويض؛ وهو ما يضع المزارعين في مهب الريح.

خسائر بالجملة

وفي وقت سابق، حذر خبراء في الاقتصاد الزراعي والمياه من إهدار كميات كبيرة من مياه النيل بضخها عبر أنابيب وشبكات ضخمة إلى المدن الجديدة، خاصة العاصمة الإدارية، واستبدال مخطط إقامة محطات تحلية مياه على البحر الأحمر لهذا الغرض بسحب كميات ضخمة من مياه النيل. واعتبروا أن اللجوء إلى مياه النيل، وعدم تقديم حلول بديلة، يستنزف موارد مصر من المياه المخصصة للشرب والزراعة، وأنه كان الأولى توجيه تلك المياه النقية إلى زراعة محاصيل زراعية استراتيجية، بدلا من حظر العديد من الزراعات وإزالتها وتغريم المخالفين وسجنهم.

فيما فند أستاذ هندسة السدود، محمد حافظ ، ضخ كميات كبيرة من المياه إلى العاصمة الإدارية الجديدة في ذلك التوقيت، قائلا: "في الوقت الذي أعلن فيه رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، ضخ 850 الف متر مكعب يوميا من مياه النيل لتغذية مشاريع العاصمة، وذلك ضمن 1.5 مليون متر مكعب تقوم محطة مياه جديدة بالقرب من العاصمة بسحبها يوميا، قامت وزارة الري بإزالة آلاف الأفدنة التي تم زراعتها ببراعم الأرز المخالفة لقانون الوزارة". وهو ما يمثل تهديدا لمستقبل مصر المائي لا يحتمل تلك التوسعات، التي تأتي على حساب حصص الأراضي القديمة. في وقت كان يستلزم فيه على الحكومة عدم التفريط في أي نقطة ماء بسبب انخفاض حصة مصر من مياه النيل، التي بدأت تتناقص سنويا بسبب السد الإثيوبي.

الحديث عن توفير المياه للعاصمة الجديدة كان يتركز سابقا على فكرة تحلية مياه البحر الأحمر عبر محطة التحلية الرباعية التي تم شراؤها في 2015 بقرابة 500 مليون دولار لتحلية مياه البحر، وتوليد كهرباء لصالح العاصمة الجديدة، إلا أن المخطط تم تغييره بعدما تبين أن تكاليف تحلية مياه البحر الأحمر سوف تتخطى 1 دولار أمريكي لكل متر مكعب. من ناحيته اعتبر أستاذ العلوم الزراعية، عبد التواب بركات، أن "نقل مليون ونصف متر مكعب يوميا من مياه النيل إلى التجمعات السكنية الجديدة، منها 850 ألف متر مكعب يوميا إلى العاصمة الجديدة، لري 40 ألف فدان من أشجار الزينة، وحمامات السباحة، وملاعب الجولف، ومسطحات اللاند سكيب، على غرار ما يحدث من هدر في المجمعات الترفيهية الواقعة على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، جريمة هدر للمال العام تستوجب المساءلة". ويؤكد بركات أن هذه الكمية من المياه تكفي لزراعة 130 ألف فدان من أصناف الأرز الموفرة للمياه، التي توصل إليها علماء مركز البحوث الزراعية، وتنتج 750 ألف طن من الأرز، وتغني المصريين عن استيراد الأرز الهندي والفلبيني، الذي لا يستسيغه المصريون، ويوفر 375 مليون دولار من العملة الصعبة لاستيراد هذه الكمية.