“اليوم العالمي للشباب”.. كيف أصبحت الهجرة من بطش العسكر حلم كل المصريين؟

- ‎فيتقارير

بعد ثورة 25 يناير 2011، أشاد "المجلس العسكري" بالشباب المصريين واعتبرهم الأمل والقوة القادرة على التغيير؛ إلا أنه وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر تحت عنوان "مصر… جيل من الشباب الناشطين في السجون ضمن محاولة لقمع المعارضة"، فقد "صار كثير من الناشطين ومن المدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان وكذلك طلاب قُبض عليهم لمجرد ارتدائهم قمصانا تضمنت شعارات مناهضة للتعذيب".
ولم يغب عن الجزار السفاح السيسي تقديم التحية للشباب ضحايا قمعه وتعذيبه ورصاص ميلشياته، وتوجه بتحية تقدير واعتزاز لشباب مصر العظيم، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للشباب.

رهن الاعتقال
وادعى السفاح السيسي "ثقتي مطلقة في شباب مصر، وفي حماسهم وعزيمتهم، ليتحقق حلمنا الأصيل في بناء وطن العزة والفخر والكرامة.. بشبابها تحيا مصر".
ويرى علماء النفس أنه "بالفعل ازدادت نغمة البحث عن الهجرة بين الشباب في مصر، كما ازدادت الأعباء النفسية بسبب الانهيار الاقتصادي وسياسة القمع التي تمر بها مصر، خاصة الشباب ممن يفقدون الأمل في المعيشة بشكل أفضل, وأشار إلى أن البعض يعبر عن ذلك برغبة للهروب وآخرين يقدمون بالفعل على هذه الخطوة".
وفي إبريل من عام 2019، وأثناء الاستعدادات لإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي سمحت للسفاح السيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2030، اعتقلت سلطات الانقلاب الناشط أحمد بدوي بعدما تظاهر منفردا بلافتة كُتب عليها "لا" للتعديلات الدستورية وما زال رهن الاعتقال.
وفي بلد يحكمها انقلاب عسكري دموي مثل مصر، وجنرال سفاح مثل السيسي، يمثل الشباب النسبة الأكبر من نحو ما يزيد عن ستين ألف معتقل، بالإضافة إلى مئات الشباب الذين صدرت في حقهم أحكام بالإعدام وقد نفذت بعشرات بالفعل، كذلك فإن الاعتراف تحت التعذيب نهج مستمر، والجميع يتذكر محمود الأحمدي وكيف حاول جاهدا أن يبلغ قاضي التحقيقات أثناء جلسة محاكمته في أغسطس من عام 2016، بما تعرض له من تعذيب داخل مقر الأمن الوطني في لاظوغلي.
وقبل تنفيذ حكم الإعدام الظالم بحقه، كشف الشاب محمود الأحمدي أمام القاضي والحضور في قاعة المحكمة عن ساقه وذراعه لتظهر آثار التعذيب عليهما، وحينما واجهه القاضي باعترافه، كرر محمود جملته على مسامع القاضي "يا فندم إحنا بننطحن من رئيس المباحث ومن المأمور.. اتكهربنا كهرباء تكفي مصر لمدة عشرين سنة. ولو على الاعترافات، إحنا بيتحقق معانا لمدة 20 ساعة كاملة يوميا. إديني يا فندم صاعق كهربائي وأخليلك أي حد هنا يعترف إنه هو اللي قتل السادات".
وتؤكد منظمات حقوقية انتشار ظاهرة الاعتقالات والإدانات دون محاكمة في عهد السفاح السيسي، وليس كل الأشخاص المفقودين هم من أنصار جماعة الإخوان المسلمين المناهضة للانقلاب، وفي هذا الصدد تقول سارة ويتسون من منظمة هيومن رايتس ووتش "بعضهم نشطاء، وبعضهم يمشي فقط بالقرب من المظاهرات، ويتم اعتقال بعضهم بشكل تعسفي"، وتضيف ويتسون أن "لا يتعلق الأمر ببعض رجال الشرطة الفاسدين بل يتم ذلك بشكل ممنهج".

فين الشباب؟
هكذا عبر الشباب عن أنفسهم وعن المعاناة التي يواجهونها، على الرغم من عقد عصابة الانقلاب مؤتمرات عدة مخصصة لهم، وتلك المؤتمرات يُختار شبابها بعناية فائقة من الأجهزة الأمنية، فيما يواجه السواد الأعظم من شباب المصريين القمع والبطالة والغلاء وارتفاع نسب العنوسة.
وفي دراسة عن العنوسة، حدد جهاز الإحصاء ستة أسباب لذلك وهي غلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج الأخرى نتيجة القمع الاقتصادي الذي يمارسه العسكر، وغلاء المعيشة وصعوبة توفير سكن، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع معدل التعليم بالنسبة إلى الإناث خصوصا في الحضر والانشغال بالعمل أو الوظيفة من قبلهن وعدم الرضا بمن يتقدم لهن، وضعف الأجور التي يتقاضاها الشباب".
وقد أدت الظروف الاقتصادية الصعبة التي أسقط العسكر فيها المصريين، إلى ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب، خصوصا في ظل عدم توفر مناخ مواتٍ لتفجير طاقة الشباب، وعلى الرغم من عدم توفر إحصاءات رسمية سنوية حول أعداد المنتحرين، فإن مصر تحتل المرتبة السادسة والتسعين عالميا في ما يخص الانتحار بين صفوف الشباب.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية أفادت في دراسة أعدتها في عام 2017 بأن عدد المنتحرين سنويا في مصر يتجاوز 4250 منتحرا.

إما منتحر أو معتقل أو مقتول!
ونتيجة لعمليات التصفية المستمرة والقتل خارج القانون وما تقوم به ميلشيات العسكر، فقد شباب كُثر حياتهم من دون تحقيق عادل وكامل وبلا محاكمات، فيما يخرج بيان وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب بصيغة صارت ثابتة وشبه محفوظة يفيد بتصفية مجموعة من الإرهابيين في تبادل لإطلاق النار.
ويرفق البيان بصور لقتلى وإلى جانبهم أسلحة، وقد صار ذلك مادة مثيرة للسخرية بسبب إخراجها بالشكل نفسه، من دون ابتكار، وبسبب عدم إصابة أي من أفراد الشرطة بجروح على الرغم من استخدام كلمة "تبادل"، وتعد سيناء المسرح الأساسي لتلك التصفيات المستمرة.
ولعل أشهر عمليات التصفية تلك التي تمت في مارس من عام 2016، حين أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب عن تصفية أربعة أشخاص ادّعت أنهم قتلة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفى وسط القاهرة في 25 يناير من العام نفسه قبل أن يُعثر على جثته بعد تسعة أيام وعليها آثار تعذيب.
أضافت عصابة الانقلاب في بيانها أنها "عثرت في منزل أحدهم على جواز سفر الطالب المغدور وباقي مقتنياته الشخصية، وفي وقت لاحق، نشرت صحيفة "ذي جارديان" البريطانية تقريرا استندت فيه إلى بيان للنائب العام جاء فيه "بالنسبة إلى التحقيقات الخاصة بوقائع 24 مارس الماضي والمتعلقة بالعثور على أوراق ريجيني في منزل أحد أقارب أفراد العصابة الإجرامية، تبين لاحقا من التحقيقات أن هناك شكوكا ضعيفة بشأن ارتباط أفراد العصابة الذين قُتلوا في مواجهة مع الشرطة في واقعة خطف وقتل ريجيني"، ولم تتم محاسبة أي من الذين تسببوا في مقتل هؤلاء الأربعة من دون أدلة حقيقية ولم يعوّض ذووهم حتى اللحظة.