بعد تصريحات ماكرون المستفزة.. أبعاد الأزمة الجزائرية الفرنسية وعلاقتها بتركيا

- ‎فيتقارير
A picture taken on July 23, 2021 shows an Algerian flag fluttering on the facade of the embassy in Paris. - Algeria expressed "deep concern" following press reports that it may have been the target of the Israeli-made Pegasus spyware as it launched a probe. (Photo by Joël SAGET / AFP)

تسود حالة من الغضب في الأوساط الجزائرية سواء في أوساط الحكومة أو الجماهير في أعقاب التصريحات المسيئة من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيث نفى وجود أمة جزائرية قبل فترة الاحتلال الفرنسي (1830 ـ1962) والتي اعتبرت تطاولا وإهانة للجزائر وشعبها وتاريخها.

الرئاسة الجزائرية من جانبها استنكرت هذه التصريحات؛ واعتبر بيان للرئاسة الجزائرية حديث ماكرون "مسيئا" وعدته "مساسا غير مقبول" بذاكرة أكثر من 5 ملايين مقاوم قتلهم الاستعمار الفرنسي. وبحسب البيان، الذي نقله التلفزيون الرسمي، فإن تصريحات ماكرون "تمثل مساسا غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم عبر مقاومة شجاعة ضد الاستعمار الفرنسي" بين عامي 1830 و1962م. وأضاف البيان أن "جرائم فرنسا الاستعمارية، التي لا تعد ولا تحصى، هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا)، ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة".

ونبَّه البيان الجزائري إلى أن التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي "لم يتم تكذيبها رسميا"،  موضحا أن الجزائر "ترفض رفضا قاطعا التدخل في شؤونها الداخلية كما ورد في هذه التصريحات، وأن الرئيس عبد المجيد تبون قرر الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا محمد عنتر داود للتشاور".

وتضمنت تصريحات ماكرون المستفزة اتهامه  للسلطات الجزائرية بأنها "تكن ضغينة لفرنسا". كما أنه طعن في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830م، وتساءل مستنكرا: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟".

 

الغمز في تركيا

تصريحات الرئيس الفرنسي حاولت الغمز في تركيا ومحاولة ضرب التقارب القائم حاليا بين أنقرة والجزائر؛ ذلك أنه ادعى في تصريحاته أن الجزائر كانت تعاني من استعمار تركي قبل الاستعمار الفرنسي في إشارة إلى مرحلة الخلافة العثمانية بين عامي 1514 و1830م.   لكن الرئيس الفرنسي يتجاهل أن الجزائريين مثل باقي الشعوب العربية لا يرون في الحكم العثماني تحت راية الخلافة الإسلامية احتلالا؛ بل هو مشروع وحدوى تحت راية الإسلام، رغم التحفظ على بعض الممارسات التي قام بها العثمانيون في بعض الفترات.

الحقد الفرنسي تجلى بوضوح في تصريحات ماكرون التي زعم فيها أنه « مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها، وشرح أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون، وهو أمر يصدقه الجزائريون». فماكرون يتجاهل الرفض الشعبي في البلاد العربية والإسلامية لأي احتلال مخالف لهم في الدين واللغة، وينظرون إلى المسلم بمنطق الأخوة في الدين وليس بمنطق الدول القومية الوطنية التي أنشأها الاحتلال حديثا لضرب مقومات الوحدة العربية والإسلامية.

صحيفة "الشروق"  كبرى الصحف الجزائرية وصفت تصريحات ماكرون بـ"المستفزة"، قائلة إنها "تعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مربع البداية"، وتكشف "مدى هشاشة العلاقات الثنائية الموبوءة بالعديد من الملفات المسمومة".

 

واعتبرت الصحيفة أنه "كان لافتا في كلام الرئيس الفرنسي أنه يبحث عن مناول (مقاول) من الباطن للوقوف أمام التقارب الجزائري التركي الذي بات يزحف على حساب الإرث الفرنسي المتهالك، وأن هذا المناول لا يمكن أن يقوم به إلا الجزائريون أنفسهم، وهو أمل يبقى في خانة الوهم؛ لأن الجزائر تميز جيدا بين الصديق والعدو، ولا تنتظر أي نصيحة من أحد".

وتشهد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وباريس توترا وفتورا رافقها نزيف اقتصادي لدى شركات فرنسية غادرت البلاد ولم تجدد السلطات الجزائرية عقودها. وقبل أيام، استدعت الجزائر سفير باريس لديها للاحتجاج على قرار فرنسا تقليص التأشيرات الممنوحة لمواطنيها.‎ وصولا لقرار الجزائر بمنع تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق أراضيها.

 

تطاول ماكرون على الإسلام

ويتصف الرئيس الفرنسي بالكثير من الحماقة والعجرفة المصبوغة بالعنصرية والكبر والشعور بالتفوق العرقي والثقافي على باقي شعوب الأرض وخصوصا المسلمين منهم. وفي "2" أكتوبر"2020"م، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات عدائية ضد الإسلام مدعيا أن «الإسلام يعيش اليوم في أزمة في كل مكان بالعالم». وهي التصريحات التي لاقت استنكارا واسعا داخل العالم الإسلامي. وفي خطوة عدائية واصل ماكرون، تصعيده بإعلانه عن مشروع قانون ضد ما أسماه بـ"الانعزالية الإسلامية"، بدعوى "مواجهة التطرف الديني وحماية القيم العلمانية للجمهورية الفرنسية"، والذي ينطوي على فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد، ومنع "شهادات العذرية" للفتيات المسلمات قبل الزواج. وفي هذه الأثناء أدلى وزير داخلية فرنسا جيرالد دارمانان تصريحات مسيئة للإسلام مؤكدا أن بلاده «في حرب ضد الإرهاب الإسلامي»، وذلك في ذكرى الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" سنة 2015، والتي دأبت على نشر الرسوم المسيئة للنبي (e).

وفي 5 أكتوبر علق الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، على تصريحات ماكرون قائلا: "تصريحات غير مسؤولة، تتخذ من الهجوم على الإسلام غطاء لتحقيق مكاسب سياسية واهية، هذا السلوك اللاحضاري ضد الأديان يؤسس لثقافة الكراهية والعنصرية ويولد الإرهاب".