مقتل طالبة على يد زميلها بالشرقية..ماذا حدث للمصريين في 9 سنوات من حكم العسكر؟

- ‎فيتقارير

 

لم يستفق الشارع المصري من الجريمة البشعة للطالبة نيرة أشرف بعد ذبحها على يد زميلها بجامعة المنصورة، حتى ظهرت جريمة جديدة في مدينة الشرقية، بعدما قام طالب بطعن زميلته 17 طعنة ، الأمر الذي يدفع الألسنة بقول "ماذا حدث للمجتمع المصري، وكيف تغيرت سلوكياته وعاداته ولماذا أصبح عدائيا ؟

 

 

خلل تام

وعلى طريقة نيرة أشرف، لقيت طالبة تدعى سلمى بهجت مصرعها على يد زميلها بالكلية الذي أنهى حياتها أمام المارة بالشرقية ، وبدأت النيابة العامة تحقيقاتها بشأن واقعة قتل الطالبة بدافع الانتقام في الزقازيق.

وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط مرتكب واقعة التعدي على إحدى الفتيات بدائرة قسم شرطة أول الزقازيق بالشرقية مستخدما سلاحا أبيض "سكينا" مما أدى إلى وفاتها ، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة بدافع الانتقام منها.

 

غياب الوعي الديني

الجريمة بحد ذاتها مأساوية ولكن خطورتها تكمن في إنهاء حياة بهذه الطريقة دون مرعاة لحرمة أي خوف من الله، هكذا تحدث الشيخ عبد الرحمن عبادة من علماء الأزهر الشريف ، الذي أكد أن جرائم قتل النفس باتت مرتعا مباحا دون خوف من حساب عسير يوم القيامة.

وحول الأسباب التي تدفع الشخص للقتل بتلك الوحشية قال إن "الله ليس موجودا لدى هؤلاء، شغلتهم الدنيا ،و تحيط بهم الصحبة السيئة، والبعد عن الله والدين والعيب والحرام ، كل هذا كافٍ كي يقود الشيطان هؤلاء إلى تنفيذ تلك الجرائم".

ودعا عبادة، إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى، وفتح المساجد كل نهار وإذاعة القرآن الكريم بمكبرات في كل المناطق، وعودة القوافل الدينية للعلماء والمشايخ في كل بيت وقرية ومدينة وعلى المقاهي والكافيهات التي يرتادها هؤلاء الشباب، وغلق المحتوى الإلكتروني الفاحش.

 

نيرة..سلمى..أنا عاوز أحافظ على البنات

ليتهم سمعوا وأنصتوا، ليتهم ماقتلوه، الجريمة البشعة أعادت للأذهان تلقائيا جريمة نيرة أشرف، وما قاله الرئيس الشهيد مرسي ولم ينتبه له أحد  "أنا عاوز أحافظ على الأطفال وعاوز أحافظ على البنات أمهات المستقبل" لربما كانت جملة قصيرة قالها وسط خطاب طال لمدة نصف ساعة وأكثر، وكأنّ الرئيس محمد مرسي كان على بصيرة بالمستقبل ، فكل ما فيه تحقق  فمرت  9 سنوات على الانقلاب على مرسي ، شهدت مصر ما لم تشهده من قبل ، خاصة تلك الحوادث الخاصة بالفتيات.

وقبل أشهر، أقدم شاب على ضرب فتاة وذبحها أمام المئات في شارع بالقرب من جامعة المنصورة، حتى فارقت الحياة ، لتفتح ملفا شائكا بين الحياة في أكذوبة أمن وأمان وبين عبث بمقدرات الشعب ومصيره المجهول طوال تسع سنوات من الحكم الانقلابي العسكري لمصر.

بعدها قام القاضي المستشار في مجلس الدولة، أيمن حجاج، بقتل زوجته المذيعة شيماء جمال، عقب تحذيره من قبل ابن عمه الذي يعمل بجهاز الأمن الوطني من تواجد سائقه بقسم الشرطة للإبلاغ عن الجريمة.

المفارقة أيضا على مايبدو أن سنوات السيسي العجاف ليست على الاقتصاد فقط ، بل على الأخلاق أيضا ، فكم من الحوادث شهدتها مصر التي باتت بدون غطاء أخلاقي وإنساني وباتت مرتعا للفساد والانحلال،  فقد سبقت واقعة طالبة جامعة المنصورة صدمة بعد جريمة القتل المروعة التي شهدتها محافظة الإسماعيلية ، حيث قام شاب بذبح جاره والتمثيل بجثته أمام المارة؛ بعدها شهدت محافظة كفر الشيخ جريمة أخرى قتل فيها طالب في المرحلة الثانوية على يد زملائه بعد تنمرهم عليه والشجار معه.

 

الأخلاق في خبر كان

قصص القتل تتشابه كل مرة طوال السنوات الماضية، فقد سبقتهما قصة ذبح بائع في الإسكندرية على يد 5 أشخاص ، حيث أقدم 5 أشخاص على ذبح بائع في منطقة أبو سليمان شرق الإسكندرية، فى يونيو 2021 بعد نشوب خلاف بينهم ، فقرروا التخلص منه بتحريض من زوجة شقيق المجني عليه.

الأمر برمته يجرنا إلى تنفيذ تطبيقي لما يشاهده المصريون خاصة سن المراهقين والعاطلين للأفلام والمشاهد التي تذاع ليل نهار.

وانتشرت جرائم القتل داخل الأسر المصرية بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الثماني الماضية، الإحصاءات تشير إلى ارتفاع مخيف في نسبة الجرائم الفردية والأسرية، فوفقا لآخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية نامبيو، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة، جاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيا، والـ24 عالميا، وكشفت دراسات بجامعة عين شمس أن جرائم القتل الأسري في مصر تُشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل وهو معدل ضخم للغاية، و أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن نسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات، فضلا عن أن العامل الاقتصادي من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثه من مشكلات اجتماعية خطيرة.

 

 

تضاعف معدلات الجريمة

وكشفت دراسات مصرية حديثة عن ارتفاع معدل الجرائم بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، التي جعلت مصر تحتل المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، بحسب تصنيف "ناميبو" لقياس معدلات الجرائم بين الدول.

كما صدرت مؤخرا إحصائية تكشف عن سنوات الدم في عصر السيسي ، وفقا لتقارير وزارة الداخلية فإن عدد جرائم القتل العمد عام 2010 كانت 774 إلا أنها تضاعفت 3 مرات عام 2012 لتسجل 2144 حالة، وارتفعت عام 2014 لتصل إلى 2890، ثم بدأت بالانخفاض بالأعوام الثلاثة المتتالية لتقل عن حاجز الألفين ، حيث بلغت عام 2015 نحو 1711، وعام 2016 بلغ عددها 1532، أما بعام 2017 كان عددها 1360.

وفي أخر 3 سنوات زاد معدل الجريمة في مصر بنسبة 45.81 وفقا لموقع نامبيو قاعدة بيانات عالمية تقيس نسبة مستوى الجريمة والأمان في البلاد المختلفة على مستوى العالم، أما في عام 2022 فإن مصر تتركز في المركز رقم 166 عالميا  من حيث نسبة الجريمة والأمان، حيث بلغ معدل الجريمة في مصر نحو 49.78% مقابل 50.22 معدل الأمان، بينما اتخذت المركز 16 من حيث نسبة معدل الجريمة في دول قارة إفريقيا، والمركز الرابع على مستوى دول شمال إفريقيا بعد ليبيا والجزائر والمغرب.

 

 

اختفاء الوعي المجتمعي

الاستشاري النفسي علي عبد الراضي، ذكر أن هناك عددا من التداخلات طرأت خلال الفترة الأخيرة على سلوك المجتمع المصري، أدت لظهور جرائم عنيفة والتي لم تكن موجودة من قبل، وحمّل عبدالراضي في تصريحات صحفية، مؤسسات الدولة عن مسئولية انتشار هذه الجرائم بتلك الصورة المرعبة خصوصا وزارة الثقافة تليها المؤسسة الدينية ثم الإعلام والسينما والمسرح، مؤكدا أن هذه المؤسسات من المفترض أن تعمل على تشكيل ما يسمى بـالوعي المجتمعي، وهي مسئولة عن كل ما يتم تقديمه وتناوله من أعمال درامية وسينمائية.

وكشف أن الأعمال الدرامية أو السينمائية التي يتم تقديمها تشجع  على أعمال العنف وتساهم في انتشاره، لافتا إلى أن هناك دراسة تشير إلى أن أكثر من 95% من الأعمال الدرامية التي تقدم على الفضائيات فيها شكل من أشكال الجريمة والعنف والبلطجة والتعديات على قيم المجتمع أو انتهاك قيمه، والرغبة في الثراء السريع.

وتابع، هكذا ضربة وراء ضربة في البناء الأخلاقي والقيم الثقافية والرقي الاجتماعي يحدث له تآكل وانهيار وتصدع فينتج عنه الكثير من الجرائم الأسرية التي يشهدها المجتمع.

 

معدلات إجرامية مرتفعة

في المقابل، ذكرت الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن المجتمع المصري يعاني من ضغوط في أكثر من ناحية منها، الاقتصادية وأزمة القيم التي تحمي المواطن والمجتمع، فمن الممكن أن يكون المرض النفسي انتشر وأصبحت له معدلات أعلى مما سبق، فضلا عن وجود عامل آخر مهم جدا هو الإدمان، غير الميديا والتي تُظهر صورة الدم والعنف بشكل متكرر، بحيث يستقر في وجدان المواطن، ويبدأ يتجرأ على الجريمة؛ لأن ثقافة الصورة لها دور كبير في أن يقوم بالفعل من غير قرار وتلقائيا لأن عينه أخذت على العنف والدم.

وتابعت، عندما يكون شخص يعاني من مرض نفسي ويتعاطى أي نوع من أنواع الإدمان ويشاهد الميديا بشكل مستمر فيها العنف والدم فضلا عن غياب القيم، كل ذلك مع التنشئة الاجتماعية التي يكون فيها عنف والتي يشب فيها الطفل ميالا للعنف، عندما تتشابك كل هذه العوامل تخلق مناخا جاهزا ليرتكب أبشع الجرائم.

وحملت أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي، المؤسسة الدينية مسئولية ما يحدث ، موضحة أن القيم المعنوية الرفيعة والتسامح وضبط النفس ومنع الغضب كل هذه الأمور مهمة؛ ودور المؤسسة الدينية أن تعمل على ترسيخها داخل وجدان المصريين.