عصام نعمان يكتب: في قمة جدة: مركزية القضية الفلسطينية

- ‎فيمقالات

دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اعتماد «إعلان جدة» بعد موافقة القادة العرب عليه في ختام أعمال القمة يوم الجمعة الماضي، ولعل زبدة مضمون الإعلان تتلخص بالبنود الآتية:
– تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والمصالح المشتركة والمصير الواحد.
– ضرورة توحيد الكلمة والتعاون في صـون الأمن والاستقرار.
– حمايـة سيادة الدول العربية وتماسك مؤسساتها.
– التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة.
– الإدانة بأشد العبارات للممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم.
-التأكيد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية.
– إيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام على أسـاس حـل الدولتين وفقـا للمرجعيات الدولية، وعلى رأسها مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.
إلى ذلك صدرت عن الأمير بن سلمان كما عن الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وغيرهم مواقف لافتة أبرزها اثنان، ضرورة عدم تحويل المنطقة إلى ساحة صراع ومركزية قضية التنمية.
ما استطعتُ رصده من مواقف وآراء وتعقيبات على «إعلان جدة» من سياسيين وكتاب ومعلقين ومواطنين يمكن وضعه في فئتين، المستبشرون والمتحفظون.
المستبشرون أكدوا أن قمة جدة حدث نوعي استثنائي مغاير لما سبقها من قمم مملة سحابّةَ السنين العشرين الماضية، لكونها ضمت كل الملوك والرؤساء العرب، حاضرين أو ممثَلين، واتخذت مواقف من معظم القضايا والمشاكل العالقة التي تهم الدول المشاركة، وتميزت ظاهرا باعتماد موقف محايد بين الدول الكبرى، الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى، وانتقلت بالدول العربية من حال القطيعة والتنازع إلى حال المصالحة والتفاهم فبات بالإمكان الحديث بعد اختتامها عن نشوء مشروع تكتل عربي ذي ثقل إقليمي وتأثير دولي متناميين.

المتحفظون حذروا من المغالاة في التفاؤل ذلك أن قمة جدّة كانت، في رأيهم، مغايرة في الشكل وتقليدية في المضمون.

المتحفظون حذروا من المغالاة في التفاؤل ذلك أن قمة جدة كانت، في رأيهم، مغايرة في الشكل وتقليدية في المضمون، صحيح أنها ضمّت معظم القادة العرب، لكن ذلك حدث في الماضي مثلما حدث في الحاضر من دون أن يقترن بقرارات وممارسات نوعية، ثم إن عدم حضور «قمة جدّة» من قِبَل ملوك ورؤساء هم أصحاب القرار في بلادهم أمر يدل على وجود تباين واضح بينهم وبين بعض القادة المشاركين، أو على الأقل، مع رئيس القمة الأمير محمد بن سلمان، فوق ذلك يرى المتحفظون أنه في ما يخص قضايا فلسطين وسوريا واليمن ولبنان توجد خلافات عميقة بشأنها بين القادة المشاركين لا يعقل معها الاتفاق على تنفيذ أهم بند في «إعلان جدة» وهو «تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد وضرورة توحيد الكلمة والتعاون في صون الأمن والاستقرار».
يبدو كأن المستبشرين يعملون بموجب مقولة تشرشل «السياسة ليست فن الممكن بل فن الرغبة» في المقابل يبدو المتحفظون كأنهم يعملون بموجب مقولة الشاعر أحمد شوقي: «ما نيل المطالب بالتمني بل تؤخذ الدنيا غلابا».
أيّا مَن كان المصيب في تحليله وتوقعاته فإن الأمر الأجدر بالتحليل واستشراف النتيجة في ضوئه هو الإحاطة بأكبر تحديين يواجهان الأمة في الحاضر والمستقبل وهما سياسة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وأهدافهما خصوصا حيال قضيتي فلسطين وسوريا.
إسرائيل، خصوصا في ظل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية العنصرية الفاشية، تتبنى وتمارس سياسة توسيع الاستيطان بغية ضمّ كامل الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني، كما تتمسك بالسيطرة على كامل مدينة القدس بكل ما فيها من أماكن مقدسة إسلامية ومسيحية، كما في الجولان السوري المحتل. وقد سارعت غداة قمة جدة إلى إبلاغ المجتمع الدولي بمختلف أطرافه أن إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية لن يؤدي إلى وقف الهجمات عليها ، فما عساه يكون موقف الدول العربية الملتزمة في «إعلان جدة» مبدأ مركزية القضية الفلسطينية خصوصا تلك التي قامت بالتطبيع مع العدو الصهيوني؟
في الولايات المتحدة قدمت مجموعة مشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون يرمي إلى منع الحكومة الأمريكية من الاعتراف ببشار الأسد رئيسا لسوريا، وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات ما يشكل تحذيرا للدول الأخرى التي تطبّع العلاقات مع سوريا، كما يوسع المشروع «قانون قيصر» الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على سوريا ومَن يتعامل معها اقتصاديا منذ سنة 2020 وفي حال إقرار المشروع ستُفرض عقوبات أمريكية على مطار أي دولة تسمح لشركات الطيران السورية بالهبوط فيه، كما يقضي مشروع القانون بمراجعة التحويلات المالية والتبرعات التي تزيد على 50 ألف دولار المرسلة من أي شخص في تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر ودول أخرى إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها حكومة الرئيس الأسد.
إزاء كل هذه المخاطر والمحاذير ماذا تراه يكون موقف الدول العربية، ولاسيما الدول المطبعة مع إسرائيل، من الولايات المتحدة الممعنة في محاصرة سوريا والحؤول دون تفاعلها وتعاطيها مع زميلاتها في جامعة الدول العربية؟
كل هذه التحفظات بشأن المخاطر الناجمة عن إيغال الولايات المتحدة، صديقة دول الخليج، في محاصرة سوريا والمثابرة على احتلال بعض مناطقها في شمال البلاد وشرقها، لا تُضعف في رضى المستبشرين بقرارات قمة جدة بل لعلها تشكل حافزا ودافعا إلى تسريع عملية تطبيع العلاقات وتعميقها بين دول الخليج وسوريا على نحو يؤدي، عاجلا أم آجلا، إلى توسيع فجوة التباين والخلاف بينها جميعا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، والابتعاد تاليا عن «الإغراء» الأمريكي بالتطبيع مع كيان العدو.
لا يكتفي المستبشرون بالتشديد على الحجج المشار إليها آنفا، بل يدعمونها بدعوة القوى الوطنية وفصائل المقاومة الناشطة ضد الكيان الصهيوني إلى تطوير التواصل، بشتى الوسائل، مع شعوب الدول العربية المتعاونة حكوماتها مع الولايات المتحدة بغية كشف وفضح فخاخ ومخاطر السياسة الأمريكية وذلك تفاديا للانزلاق إلى التطبيع مع العدو الصهيوني ، وانعكاس ذلك سلبا على مصالح الدول العربية في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية، فالدعوة إلى عدم تحويل المنطقة ساحة صراع، والدعوة إلى جعل التنمية جهدا مركزيا في الحاضر والمستقبل هدفان جليلان لا يتحققان إلا بمواجهة التحديين الصهيوني والأمريكي وبالعمل السياسي الوطني الممنهج والمقاومة المدنية والميدانية المثابرة.

…………

نقلا عن "القدس العربي"