لم يتقدم المرشح العلماني الخاسر في الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة (مايو 2023م) بالتهنئة للرئيس رجب طيب أردوغان بفوزه في الانتخات الرئاسية بنحو 52.18% من أصوات الناخبين، وفي جلسة افتتاح البرلمان التي يؤدي فيها الأعضاء اليمين الدستورية حين دخل أردوغان قاعة المجلس وقف جميع النواب احتراما للرئيس إلا كليجدار أوغلو ظل جالسا في برهان واضح على أن الرجل لا يتمتع بأخلاق الرجال ولا يسلم بنتائج الديمقراطية حين تأتي بمنافسيه.
دعك من زعيم العلمانيين كليجدار أوغلو فإن الرجل تفتقر إلى أخلاق الفرسان، ويتعامل بمنطق “كيد النسا”، ولكن التجارب تؤكد أن العلمانيين في معظمهم يفتقدون إلى الإنصاف والإيمان بجدوى العدالة خصوصا مع خصومهم؛ فالقوم يتسمون ببعض صفقات المنافقين التي أوضحها الرسول (r): «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر».
عنصرية ضد المحجبات
بعد جولة الرئاسة الأولى التي حل فيها كليجدا أوغلو ثانيا بنسبة 45% من الأصوات أخذت العلمانيين نزوة السلطة وشهوة الانتقام من الأتراك المؤيدين للعدالة والتنمية وجلهم من المسلمين والمحجبات لكن أحد العلمانيين من أصحاب المقاهي قام بطرد محجبات وأبنائهم من مقهاه ليعلن رفض المقهي استقبال المحجبات في سلوك عنصري بغيض انتهى من تركيا منذ اكتساح العدالة والتنمية في انتخابات 2002م. حيث قال موقع وقال موقع “TRHaber” إن بلدية أوسكودار ألغت رخصة تشغيل مقهى في حي كوزغونجوك، بعد إساءته إلى نساء محجبات. وقال رئيس بلدية أوسكودار “إذا لم يكن بإمكان المجتمع بأكمله، وخاصة النساء، الجلوس بحرية، فإننا سنلغي التصاريح الممنوحة كلها. وقد فعلنا ذلك”. وأضاف في تغريدة على تويتر “يجب علينا أن نتفق على أساسات قواعد العيش المشترك، مثل الاحترام”، مؤكدًا أنه “يجب أن يكون حقيقيًا وليس فقط في الأقوال، وذلك من أجل الجميع”.
وأظهرت تسجيلات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رجلًا وهو يعتدي لفظيًا على سيدات محجبات وأطفالهن. ويقول رجل في الفيديو “قوموا واتركوا المكان! اذهبوا! هيا.. الآن”. وأظهر تسجيل آخر رجال الشرطة وهم يعتقلون الرجل المعتدي، وأعلنوا لاحقًا توقيفه بسبب تصريحاته واعتدائه على النساء. ونشرت صحيفة صباح التركية رجال الشرطة وهم يمسكون بصاحب المقهى، ويأخذونه إلى قاعة المحكمة.
الحرب على الحجاب
قبل يومين من جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، أثارت تصريحات لكاتب في صحيفة معارضة تركية، وصف فيها الحجاب بالاستبداد للثقافة التركية، ردود فعل غاضبة على منصات التواصل. كما أثارت تلك التصريحات المخاوف من تنامي خطاب الإسلاموفوبيا في تركيا بالتزامن مع اقتراب موعد إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. هذه الكتابات تعيد قضية منع الحجاب في تركيا رسميا، وكيف تم جبار النائبة الإسلامية مروة قاوجي من البقاء في البرلمان سنة 1999م بسبب تطرف حزب الشعب الجمهوري العلماني، حين وقف نصف الأعضاء مطالبين بطرد النائبة لمجرد أنها كانت ترتدي الحجاب. ثم تم سحب الجنسية التركية منها لاحقا ومنعها من دخول البرلمان نهائيا. وخلال حكم العلمانيين على مدار العقود الماضية لم يسمح مطلقا لأي امراة محجبة أن تدخل مؤسسات الدولة وحرمت النساء من إكمال التعليم بسبب الحجاب في مشهد بغيض شديد العنصرية والتطرف.
وألغت بلدية سلطان غازي ، في الجانب الأوروبي من اسطنبول ، رخصة محل مخبز بتهمة إهانة طفل ورفض بيع الخبز لأنه دعم حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان. حيث ذهبت عائلته إلى المخبز لمعرفة سبب طرد الصبي من المدرسة ، وهدده صاحب المتجر بسكين قائلاً: “لا نبيع الخبز للكلاب”. تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق لحظة تلميع المتجر. وقال رئيس بلدية السلطان غازي عبد الرحمن دورسون ، في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي ، “تركيا القديمة لم تعد موجودة. أتمنى الشفاء العاجل لإخوتي وأخواتي الذين يؤمنون بأن حقوقهم وحرياتهم صالحة فقط لأنفسهم والذين يخاطبون هذه العقلية القاتمة التي تدفع الآخرين إلى التمييز وسوء المعاملة “. وأضاف “تم الحصول على تقرير عن المنشأة التي يديرها هذا الشخص الذي لم يتحمل نتائج الانتخابات الديمقراطية والشعبية وأهان وأذل الناخبين الذين صوتوا لنا”.
سلوك هؤلاء المتطرفين العلمانيين أعاد للأذهان سلوك حكم الأحزاب العلمانية قبل العدالة والتنمية وكيف تأسست العلمانية في تركيا على حساب الخلافة الإسلامية وتم تهميش القرآن والإسلام واللغة العربية ومنع الأذان باللغة العربية ومنع الحجاب وفرض العلمانية على الشعب التركي قهرا وجبرا. وعندما أراد عدنان مندريس الذي انتخبه الشعب بنزاهة سنة 1950م ليكون أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ تركيا إعادة بلاده إلى الاعتدال والتصالح مع الهوية الإسلامية والحد من الصرامة العلمانية تم الانقلاب عليه سنة 1960 بمؤامرة دبرها عصمت إينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك، وتم إعدام مندريس وبعض وزراء حكومته في سبتمبر 1961م من جانب العلمانيين المتطرفين في الجيش ومؤسسات الدولة.