اجتمع أمس السبت ممثلون عن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة الأحداث الجارية في غزة، وهو أول اجتماع إقليمي أوسع منذ ما يقرب من خمسة أسابيع منذ أن بدأت دولة الاحتلال عدوانها على غزة الذي أسفر عن مقتل أكثر من 11000 فلسطيني وتشريد أكثر من نصف سكان القطاع، حيث قصف الاحتلال المدنيين بالغارات الجوية، وقطع الإمدادات الحيوية وشن غزوا بريا.
وبحسب تقرير نشره موقع “مدى مصر”، أصدرت القمة بيانا ختاميا تضمن 31 بندا تمحورت حول إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، داعية إلى استعادة عملية السلام على أساس حدود عام 1967، وفتح معبر رفح الحدودي، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى ذلك، يدعو البيان إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل وإلى قيام المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية.
ومع ذلك، لا توجد قرارات واضحة وملزمة أو خطوات عملية لتنفيذ أي من هذه البنود.
وذكر البيان بتحفظ تونس على كل ما ورد في البيان باستثناء النقاط المتعلقة بالوقف الفوري للعدوان وإدخال المساعدات، كما أشارت إلى تحفظ العراق على عبارة حل الدولتين وعبارة قتل المدنيين لأنها تساوي بين الشهيد الفلسطيني والمستوطن الإسرائيلي، وكذلك عبارة إقامة علاقات طبيعية معها في إشارة إلى تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال.
وتعكس التحفظات المذكورة في البيان الختامي الخلافات التي ظهرت خلف الكواليس خلال الأيام القليلة الماضية مع الانتهاء من الاستعدادات للقمة، وفقا لمصدرين حكوميين تحدثا إلى «مدى مصر» أهم هذه الخلافات تتعلق بعدة نقاط: الإشارة إلى الحق في المقاومة السلمية، وإدانة الإرهاب واستخدام العنف، والدعوة إلى قطع العلاقات مع دولة الاحتلال، وفتح معبر رفح الحدودي من جانب واحد.
وفي الوقت نفسه، تواصل مصر وقطر التعاون في الجهود المشتركة الرامية إلى تحقيق تقدم في التوصل إلى هدنة مستدامة، وإدخال المساعدات، والإفراج عن السجناء، وفقا لمصادر مصرية تحدثت إلى «مدى مصر».
وكان من بين الممثلين في القمة رؤساء دول من أهم دول المنطقة، بمن فيهم عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد، الذي تشارك بلاده مع مصر في التوسط لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس والاحتلال، كما شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي افتقر خطابه إلى النقد المعتاد للاحتلال، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي تحدث عن الوقوف إلى جانب نبي الله وأن اليوم هو يوم العمل ونضال الحقيقة ضد الباطل في غزة دون الالتزام بأي خطوات محددة، كما حضر الرئيس السوري بشار الأسد القمة، وهي المرة الثانية منذ تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في عام 2011 بعد قمع الثورة السورية.
في افتتاح القمة، تحدث القادة العرب عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وشدد البعض على أنه يجب أن يكون فوريا، دون استخدام مصطلح العدوان الإسرائيلي صراحة، الذي كان نقطة أساسية ذكرت في قمم عربية مماثلة قبل اتفاقيات إبراهيم.
وشدد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي قاد القمة، على ضرورة فرض وقف فوري لإطلاق النار ودعا إلى إطلاق سراح السجناء.
وتحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مباشرة عن ثلاث نقاط، أولها وقف إطلاق النار، باعتبارها أولوية، إلا أن إشارته جاءت بعد وصفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأنه رد على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر.
ثم تحدث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطاب وصفه الفلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه ظهور نادر للزعيم الفلسطيني، داعيا إلى وقف إطلاق النار مع التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما تحدث السيسي عن وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، مع العديد من الإشارات إلى كلا الجانبين، كما ذكر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في خطابه أن الوضع الحالي في غزة لم يبدأ في 7 أكتوبر، وهي إشارة لم يرددها سوى عدد قليل من المشاركين.
لكن خطابات القادة العرب والإسلاميين، بشكل عام، عكست البيان الختامي من حيث إنها لم تتضمن أي خطوات محددة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أو حتى ضمان هدنة إنسانية مستدامة ودخول إمدادات الإغاثة والطبية، كما دعا المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني.
خلال التحضيرات في الأيام التي سبقت القمة، رفضت مصر والأردن ودول الخليج، بما في ذلك قطر، اقتراحا قدمه العراق ولبنان وتونس وسوريا والجزائر لقطع العلاقات الاقتصادية مع الاحتلال، كما رفضت الإمارات والبحرين الإشارة إلى الحق في المقاومة، وهو اقتراح طرحته تونس والعراق وسوريا.
رفض العراق والجزائر اقتراحا من الإمارات والبحرين ومصر يدين استخدام العنف، وفقا للمصدرين المصريين.
وذكر المصدران، اللذان تحدثا بشكل منفصل قبل يومين من القمة، أن القاهرة لن تدعم المناقشات الجانبية في القمة العربية حول ما يطرح في بعض العواصم العربية، بما في ذلك أبو ظبي، حول ضرورة اغتنام اللحظة الحالية، لإنهاء حكم حماس في غزة بشكل دائم.
وأكدت المصادر، بلغة متطابقة تقريبا، أن مصر أبلغت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال أن الحديث عن إنهاء حماس هو ببساطة غير واقعي، ليس لأن القاهرة تدعم حماس أو تتفق معها، ولكن لأن القاهرة تريد الاستقرار في غزة، المتاخمة مباشرة لحدودها الشرقية، وتدرك مصر أيضا أنه حتى لو تقلصت قدرات حماس العسكرية بشكل كبير، فإن ذلك لا يعني نهاية حماس، على الرغم من أنه قد يضعفها كثيرا لفترة طويلة.
وقال أحد المصادر الحكومية: “ببساطة، مصر لا تريد أن تنتهي الحرب في قطاع غزة فقط لتتبعها اشتباكات مسلحة بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية، والتي ستسحبها بعض القوى، بما في ذلك دولة الاحتلال، إلى القطاع دون ترتيبات مناسبة لمنع تجدد القتال الداخلي”.
انخرطت السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس في قتال مباشر في عام 2007، بعد أقل من عام من فوز حماس الساحق في الانتخابات التشريعية آخر انتخابات من هذا القبيل التي جرت في عام 2006.
الخلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية ذكره أبو الغيط في خطابه، وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية: إن “مناقشة مستقبل غزة لا يمكن فصلها عن مناقشة الضفة الغربية ومستقبل الدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودعا أبو الغيط إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لتحويل التركيز من الحرب إلى التسوية السياسية”.
ودعا رئيس السلطة الفلسطينية، بدوره، إلى عقد مؤتمر دولي للسلام وطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتعهد بمواصلة العمل القانوني الدولي على الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وذكر السيسي أنه “يجب إجراء تحقيق دولي في جميع الانتهاكات المرتكبة ضد القانون الدولي”.
كما تحدث العديد من القادة العرب والمسؤولين الدوليين عن رفض التهجير القسري لسكان غزة وإعادة الإعمار وضمان وصول المساعدات الإغاثية العاجلة، كما أكدت بعض الكلمات على ضرورة إبقاء المعابر مفتوحة أمام غزة بشكل غامض دون تحديد ما إذا كانت تشير إلى الممرات الإنسانية التي لا تزال دولة الاحتلال ترفضها أو معبر رفح.
ووفقا للمصدر الحكومي المصري، فإن عددا من الدول العربية، بما في ذلك العراق والجزائر، اقترحت على جامعة الدول العربية أن يتضمن بيان القمة العربية الإسلامية إشارة واضحة إلى الالتزام بإبقاء معبر رفح الحدودي مفتوحا، معبر رفح هو المعبر الوحيد لقطاع غزة للتواصل مع العالم الخارجي، ويجب أن يبقى مفتوحا دون أي شروط، بعيدا عن الإدارة الإسرائيلية الوحيدة.
وقال المصدران الحكوميان: إن “مصر ترفض رفضا قاطعا مسألة فتح معبر رفح الحدودي من جهة”.
وأكد مصدر أمني مصري ل «مدى مصر»، قبل أيام، أن القاهرة لن تتخذ هذه الخطوة أبدا، موضحا أن معبر رفح يفتح من الجانب المصري بالتنسيق مع الاحتلال وأيضا مع الولايات المتحدة، سواء لخروج الأجانب أو المصريين أو الفلسطينيين المصابين بأمراض خطيرة للعلاج في المستشفيات المصرية، وقال المصدر إن “فتح المعبر دون تنسيق هو حماقة، فنحن نعلم أن أي شيء يدخل دون تنسيق مع الاحتلال سيتم قصفه، وهذه ليست مسألة مواقف بطولية”.
وأوضح المصدر نفسه أن الشاحنات التي سمح لها بدخول غزة وافقت عليها دولة الاحتلال بعد تفتيشها.
وينص البيان الختامي للقمة على ضرورة كسر الحصار المفروض على غزة ودخول قوافل المساعدات الإنسانية العربية والإسلامية والدولية، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، إلى القطاع على الفور، ووفقا للمصدرين الحكوميين، فإن هذا يعني أن أي قرارات تصدر عن القمة لن تنفذ إلا في إطار مواقف الدول ذات السيادة، وأنه لن يكون هناك تغيير في سياسة مصر الحالية فيما يتعلق بالمعبر، وهذا يتماشى مع ما جاء في البيان حول دعم جميع الخطوات التي اتخذتها جمهورية مصر العربية لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة”.
ونظرا للانقسام في القمة، تواصل مصر التركيز على جهودها الدبلوماسية الخاصة.
وقال مصدر حكومي مصري مطلع ل «مدى مصر» إن “المناقشات بشأن هدنة مستدامة ودخول مستقر للإغاثة تجري بين مصر وقطر وحماس والاحتلال والولايات المتحدة في مشاورات غير معلنة في الغالب، مشيرا إلى أن هذا الملف كان أحد الموضوعات الرئيسية للاجتماعات التي عقدت في القاهرة في الأيام الأخيرة، وحضر بعض هذه الاجتماعات رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، الذي أجرى مشاورات في عدة محطات في المنطقة بعد وصوله الأسبوع الماضي، كما نوقش ذلك خلال اللقاء بين السيسي وأمير قطر، الذي زار القاهرة أمس قادما من أبو ظبي، وكذلك لقاء مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، المقيم في قطر”.
وقال المصدر الحكومي، المطلع مباشرة على المسارات التفاوضية الموازية وتحدث ل «مدى مصر» شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه “لا يمكن لأحد أن يقول حقا إن هناك خطوات يمكن اتخاذها بشأن وقف إطلاق النار لأن الولايات المتحدة لا تريد بعد الضغط على دولة الاحتلال في هذا الصدد، على الرغم مما نلاحظه من أن الأمريكيين أصبحوا يدركون خطورة استمرار الوضع الحالي».
وأضاف المصدر: “في الواقع، لا يمكن القول: إن “الولايات المتحدة تسيطر على قرار وقف الحرب لأن هناك اتفاقا في مجلس الحرب الإسرائيلي على مواصلة مسار الحرب حتى تتحقق بعض الأهداف المحددة”.
وقال المصدر، “بغض النظر عن الخسائر التي تتكبدها إسرائيل اليوم في سياق الحرب، يريد نتنياهو الاستمرار على الأقل حتى الوصول إلى بعض القادة الرئيسيين في كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، ولهذا السبب يبدو من الصعب الحديث عن وقف إطلاق النار اليوم أو غدا أو بعد غد”.
وأوضح المصدر أن ما تعمل عليه القاهرة والدوحة حاليا هو التوصل إلى اتفاق تبادل متبادل للأسرى يشمل الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مشيرا إلى أن هذا المسار يختلف عن مسار إجلاء الأجانب من قطاع غزة، والذي تشارك كل من قطر ومصر وحماس والاحتلال في نقاش بشأنه مع الجانب الأمريكي والذي أحرز بعض التقدم وسيحقق المزيد من التقدم في الأيام المقبلة، بحسب المصدر.
ووفقا للمصدر، من المتوقع أن يتوصل الطرفان إلى صياغة تسمح بدخول ما لا يقل عن 150 شاحنة مساعدات إغاثية يوميا إلى غزة، والتي قد تشمل الوقود اللازم للمستشفيات، وأضاف المصدر “أعتقد أنه يمكننا التوصل إلى شيء ما في غضون أسبوع أو نحو ذلك لكن بالطبع ، الأمور مائعة وتخضع لتغييرات كبيرة”.
في الوقت نفسه، قال مصدر حكومي مصري: إنه “لا يبدو من المرجح أن تستدعي القاهرة سفيرها في تل أبيب، مؤكدا أن الدول التي استدعت سفراءها من إسرائيل فعلت ذلك للتشاور، ولم يتم تعليق أي شكل فعلي للتعاون العربي أو الإسلامي مع إسرائيل”. وهذا لا ينطبق فقط على الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم ولكن يشمل أيضا تركيا وغيرها.
الحديث عن استدعاء السفراء وتعليق التعاون غير واقعي اليوم، يقول المصدر، النهج الواقعي هو الجهود الأمنية والسياسية الموازية للتوصل إلى حل.
وذكر المصدر الحكومي المصري أن القاهرة “لن تلتفت إلى محاولات المزايدة على الدول الأخرى وستعمل في إطار ما يحقق تحسنا على الأرض في غزة دون الإضرار بالمصالح المصرية”.
وقال المصدر: “نعم، رفضنا الحديث عن اتخاذ قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال أو استدعاء السفراء وكل هذه الأمور لأننا لا نرى أي فائدة من كل ذلك، لكننا نرى ضررا ليس فقط للمصالح المصرية ولكن أيضا لفرص إرسال الإغاثة وخروج الجرحى من غزة أو العمل مع الاحتلال بعد انتهاء الحرب لمناقشة الترتيبات الإدارية والأمنية للقطاع”.
https://www.madamasr.com/en/2023/11/11/news/u/arab-islamic-summit-in-riyadh-on-gaza-full-of-disagreements-egyptian-qatari-cooperation-aims-to-achieve-progress-on-ground/