يعيد المنقلب عبد الفتاح السيسي إنتاج فشله وخيباته المتكررة. ففي كل مرة، يكرر نفس الشعارات والوعود، ومنها ما قاله مؤخرًا: "محتاجين ناخد سلالات الأبقار القديمة من عند المزارعين ونديهم سلالات جديدة إنتاجها أكبر."
لكن النشطاء بادروا بالتذكير قائلين: "ياريت حد يفكره إن المشروع ده نفّذوه بتوجيهات سعادته سنة 2017 في الفيوم، واتكلف 19 مليار جنيه، ولم يحقق أي نتيجة. بل تسبب في ارتفاع رهيب بأسعار اللحوم لأن سلالات المواشي الأجنبية غير ملائمة للأجواء والظروف المصرية، وبلاش العشوائية اللي متمسكين بيها ومش بنتعلم من دروس الماضي ولا من خبرة العلماء."
وكان المشروع قد بدأ فعليًا في ديسمبر 2019، وكتبت الناشطة @halabadawy64: "البدء في افتتاح المرحلة الأولى للمشروع القومي لتربية المواشي وإنتاج الألبان في الوادي الجديد، البحيرة، الفيوم، مرسى مطروح، بإجمالي 200 ألف رأس ماشية، وبتكلفة 20 مليار جنيه."
وشمل الافتتاح الأخير مجمع الفيوم في مركز يوسف الصديق، على مساحة 450 فدانًا، بطاقة استيعابية بلغت 18 ألف رأس ماشية.
بحسب الإحصاءات الرسمية، فإن نحو 92% من الأبقار في مصر هي سلالات محلية ضعيفة الإنتاج، مما يؤدي لارتفاع أسعار اللحوم نتيجة زيادة الطلب مقابل قلة المعروض. فالبقرة "البلدي" في مصر تنمو بمعدل يومي يتراوح بين 600 إلى 700 جرام فقط، بينما السلالات العالمية مثل "الهولشتاين" و"أنجوس" قد تصل إلى 1.5 أو حتى 2 كجم يوميًا.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد رؤوس الأبقار في مصر 2.8 مليون رأس، منها 2.6 مليون محلي و214 ألف مستوردة فقط.
أزمة الذبح العشوائي
يشير خبراء إلى أن إحدى أكبر المشكلات تتمثل في ذبح العجول قبل بلوغها 100 كجم، وذبح الإناث الصغيرة قبل دخولها دورة الإنتاج، ما يهدر ثروة كان بالإمكان مضاعفتها عبر إدارة أفضل.
رؤية حكومية غير واقعية
تتبنى وزارة الزراعة بحكومة السيسي عدة محاور منها:
-
التهجين مع سلالات أوروبية محسّنة.
-
مشروع البتلو لدعم المربين في تربية العجول الصغيرة بدلًا من ذبحها مبكرًا.
-
برامج التلقيح الصناعي لنشر صفات إنتاجية أفضل.
لكن هذه الرؤية تلقى معارضة من فلاحين يرون أن "البقري البلدي طعمه أحلى، ومتأقلم مع البيئة".
آراء الخبراء
أوضح خبراء أن الأبقار لا "تنتج" اللحم كما الحليب، بل تكتسبه عبر بناء العضلات بالتغذية المناسبة. السلالات المحلية تنمو ببطء لكنها أكثر تأقلمًا، أما المستوردة فتنمو بسرعة ولكن تتطلب تغذية ومرافق متطورة، ما يرفع التكلفة.
وصرّح د. محمد الشريف، خبير التغذية الحيوانية بجامعة مينيسوتا الأميركية: "السلالات المحلية تمثل ثروة جينية نتجت عن آلاف السنين من التكيّف مع البيئة المصرية. يجب تحسينها علميًا بدلًا من استبدالها بشكل عشوائي بسلالات مستوردة لا تناسب المزارعين الصغار."
وأكد أن الأبقار المستوردة تحتاج إلى بيئة مشابهة لبلادها الأصلية، ما يتطلب حظائر حديثة وتهوية وتبريدًا وتلقيحًا صناعيًا مستوردًا، مما يجعلها غير مناسبة للمزارع الصغيرة.
مشروع البتلو: تمويل ضخم بلا نتائج
في عام 2023، أعلنت وزارة الزراعة عن تمويل جديد بقيمة 236 مليون جنيه لـ352 مستفيدًا ضمن المشروع القومي للبتلو الجاموسي. وبلغ إجمالي التمويل منذ إعادة إطلاقه عام 2017 أكثر من 8.04 مليار جنيه، لـ42,760 مستفيدًا.
ورغم هذا التمويل الهائل، لم ينعكس المشروع على أسعار اللحوم التي واصلت الارتفاع، متجاوزة 500 جنيه للكيلو في بعض المناطق، وسط تضخم بلغ 36.8% في يونيو الماضي، مقارنة بـ14.7% في العام السابق.
ورغم نفي الحكومة فشل المشروع، مؤكدين أنه زاد من إنتاج اللحوم والألبان، يرى مسؤول سابق بالمشروع أن استمراره أصبح عبئًا على الاقتصاد، ويجب تعليقه مؤقتًا مع التوجه نحو إنتاج الأسماك والدواجن وسلالات لحوم أكثر كفاءة.
وقال: "ما خططنا له يعوقه ارتفاع أسعار الأعلاف، وعدم توفر سلالات قوية، والأجدى الآن التركيز على بدائل تحقق الاكتفاء الذاتي في البروتين."
خلاصة
بينما يواصل السيسي تكرار وعوده بتحسين إنتاج اللحوم عبر "استبدال الأبقار القديمة"، يتجاهل حقيقة أن التجربة أثبتت فشلها منذ 2019، وأن الحل لا يكمن في استيراد أبقار أجنبية، بل في تحسين السلالات المحلية وتوفير بيئة علمية وتنموية حقيقية، وليس شعارات فارغة ومشاريع بمليارات تُهدر دون نتيجة.