رغم الدعاية المتكررة التي تُطلقها سلطة السفاح المنقلب السيسى عن الإفراجات "الإنسانية" بمناسبة الأعياد والمناسبات الوطنية، تكشف البيانات المتاحة عن واقع مغاير تماماً، خصوصاً في ما يتعلق بالسجينات السياسيات، اللواتي يواجهن إقصاءً ممنهجاً من قوائم العفو، في مشهد يعكس استهانة صارخة بأبسط معايير العدالة والكرامة الإنسانية. تُظهر مراجعة قوائم الإفراج الرئاسي منذ إعادة تفعيل "لجنة العفو" في إبريل/نيسان 2022 أن الإفراجات غالباً ما تطال الرجال، بينما تُترك النساء خلف القضبان في ظروف احتجاز لا تليق بالبشر. وفيما تُعلَن أرقام كبيرة للمفرج عنهم - مثل 4466 في يناير 2025، و2374 بمناسبة عيد الأضحى 2023 - تغيب التفاصيل الدقيقة حول أعداد النساء، ما يفضح غياب الشفافية وتمييزاً بنيوياً صارخاً في تطبيق إجراءات العفو. تقارير حقوقية عدة أكدت أن نسبة النساء ضمن قوائم الإفراج، في حال وجودهن أصلاً، تبقى ضئيلة للغاية، لا تتجاوز 5% في أحسن الأحوال، وغالباً تكون صفراً في دفعات الإفراجات الصغيرة. ففي قوائم يناير 2023، لم يُذكَر سوى اسم امرأة واحدة وسط عشرات الرجال: "فايزة فوزي إبراهيم عبد الرشيد". تمييز منهجي ضد السجينات هذا التحييد المتعمد للسجينات السياسيات لا ينفصل عن واقع أوسع من الانتهاكات التي تطال النساء في المعتقلات المصرية. فرغم تقدمهن في السن، أو إصابتهن بأمراض مزمنة، أو حتى وجود أطفال في انتظارهِن، تواصل الأجهزة الأمنية التنكيل بهن دون رحمة، وسط صمت مؤسسي صارخ من المجلس القومي للمرأة، الذي يبدو غائباً تماماً عن أي دور حقيقي في الدفاع عن حقوق المعتقلات. ورغم المناشدات الحقوقية، تستمر الدولة في تجاهل نداءات الإفراج عن السجينات، ومن بين أبرز الحالات التي تفضح هذا التجاهل: عائشة الشاطر، التي تعرّضت لإهمال طبي ممنهج أدى إلى ظهورها على كرسي متحرك. هدى عبد المنعم، المحامية الحقوقية الستينية التي تعاني من أمراض مزمنة، وتُمنع من العلاج المناسب. مروة عرفة، التي عاشت سنوات من الحبس الاحتياطي القاسي، بعيداً عن طفلتها. انتهاكات ممنهجة داخل السجون تشير شهادات مسرّبة وتقارير حقوقية إلى أن السجينات السياسيات يتعرضن لظروف احتجاز مهينة تشمل: الإهمال الطبي المتعمد، خصوصاً للمصابات بأمراض مزمنة؛ الاعتداءات الجسدية والنفسية، بما في ذلك الضرب والتفتيش المهين؛ الحبس الانفرادي كوسيلة عقاب وضغط نفسي؛ القيود القاسية على الزيارات العائلية والمحامين؛ احتجاز في زنازين غير صحية، تفتقر للضوء والتهوية والتغذية الملائمة. كما وثّقت منظمات محلية ودولية انتهاكات طالت مئات النساء منذ عام 2014، في ظل حملة قمع ممنهجة تستهدف كل من يعبّر عن رأي مستقل. فالتهم الجاهزة مثل "الانتماء إلى جماعة إرهابية" أو "نشر أخبار كاذبة" أصبحت أدوات يومية لإسكات الأصوات المعارضة، بغضّ النظر عن نوع الضحية أو حالتها الصحية. "لا كرامة للمرأة في هذا النظام" الواقع الذي تعيشه السجينات في مصر لا يدع مجالاً للشك في أن السلطة تتعامل مع النساء بقدر مرعب من القسوة والتجاهل. ومهما بلغت معاناتهن، فإن النظام لا يظهر أي احترام لأعمارهن أو أوضاعهن الصحية أو أدوارهن المجتمعية. ويترافق هذا الإهمال مع أداء باهت من "المجلس القومي للمرأة"، الذي لا يصدر عنه سوى بيانات شكلية بعيدة كل البعد عن تبني ملف المعتقلات بجدية. وهو ما دفع مراقبين لوصف هذا المجلس بأنه "صوري"، لا يُمثل قضايا النساء بل يتحول في بعض الأحيان إلى غطاء لتبرير الصمت الرسمي. دعوات متواصلة وصمت مستمر وسط هذه الانتهاكات المتراكمة، تتوالى المطالبات الحقوقية للإفراج الفوري عن السجينات السياسيات، وضمان الحد الأدنى من حقوقهن داخل السجون. لكن الرد الرسمي لا يتجاوز إطلاق سراح أفراد معدودين في مناسبات محسوبة بعناية سياسية، ما يعكس استخفافاً متواصلاً بمبدأ المساواة أمام القانون. وفي ظل الغياب شبه التام للرقابة المستقلة، وفرض قيود صارمة على عمل منظمات المجتمع المدني، تبقى الانتهاكات بلا محاسبة، ويظل مصير مئات السجينات السياسيات غارقاً في العتمة.