“السرّ في السامسونج”.. لماذا تنتشر العدالة في الغرب وتختفي أمام محاكم السيسي؟

- ‎فيتقارير

ضرب القاضي الأمريكي "فرانك كابريو" البالغ من العمر 82 سنة المثال في الرحمة والعدل، حيث أصبحت الكثير من قراراته سريعة الانتشار منذ عام 2017، ويبدو أن العدالة ليست عمياء في النهاية، هذا ما توصلت إليه عدة دراسات أمريكية فحصت كيفية تأثر القضاة بعدة عوامل، مثل أي شخص آخر.

يتوقع المجتمع من القضاة أن يتصرفوا وفقا لمبادئ العدالة لدى اتخاذ القرارات، التي تؤثر بحياة الناس وأن يطبقوا القوانين وفقا لذلك، استنادا للحقائق المتاحة لهم، لكن للبشر تحيزاتهم المبطنة، وبعضها قد يكون مثيرا للدهشة مثل ما يجري في مصر منذ الانقلاب الدموي الغاشم في 30 يونيو 2013.

 

بالدموع..!

وتحول " كابريو" إلى نجم على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال قراراته الوجدانية، وقد شاهد مقاطع القضايا التي باشرها عشرات الملايين من المرات، وعُلق عليه بآلاف الرموز التعبيرية التي تعبر عن الدموع، وكثيرا ما أثار كابريو مشاعر الناس من ذلك قراراته بشأن المهاجر الذي لا يتحدث الإنجليزية وقدامى المحاربين بالحرب الكورية، والآباء الذين يواجهون صعوبات مالية كبيرة، وتبرئته لرجل مسن من دفع غرامة السرعة الزائدة، تقديرا لعمله الإنساني في نقل مريض بالسرطان إلى المستشفى.

وهناك مقولة حقوقية أمريكية تقول إن "العدالة تتوقف على ما أكله القاضي في الصباح" وقد يظن البعض أن القضاة لن يتأثروا بشيء تافه مثل أوقات الوجبات، لكن الدراسات أكدت تأثرهم، وأوضحت دراسة أجراها المحاضر في كلية التجارة في جامعة كولومبيا جوناثان ليفاف عام 2011، أن القضاة يميلون أكثر للحكم بعفو مبكر بعد تناول وجبة أو استراحة، فما الحال إذا كان الحافز ملايين الجنيهات تصب في أرصدتهم من جنرال دموي، يأمرهم بشنق وسجن الأبرياء؟

تقول الناشطة فاطمة محمود "ما سبب وجود كل هذه الرحمة والإنسانية في قلوب القضاة في أوروبا ؟ شاهدت فيديوهات أبكتني كثيرا وهم ينظرون إلى القضايا بعين الرحمة لا بعين القانون فقط حتى مع المسلمين تذكرت قضاءنا الذي نحلم أن يعاملنا حتى بعين القانون ولا يستجيب".

ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013 ومصر تشهد انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقمعا للحريات الأساسية، انتشرت على إثرها ظواهر لا حصر لها من قتل وتعذيب واعتقالات تعسفية وإخفاءات قسرية وإعدامات خارج إطار القانون ومحاكمات تغيب عنها قيم العدالة والتي طالت المصريين الرافضين لسيادة الحكم العسكري.

وترجع الأسباب المركزية في استشراء ذلك على نطاق واسع إلى طبيعة عصابة السفاح السيسي ذي الخلفية العسكرية، والذي انتهج لغة القمع لتخويف المواطن المصري بمختلف أطيافه ومكوناته وإحكام قبضته الأمنية عليه، لصده عن المطالبة بحقوقه التي نادى بها في ثورة يناير؛ ومن أبرزها انعتاق مصر من قبضة الاستبداد العسكري ودخولها إلى عصر الدولة المدنية الديمقراطية.

ويتعرض من يتم القبض عليهم في مصر من السياسيين والنشطاء واصحاب الرأي لانتهاكات تخل بضمانات المحاكمة العادلة خلال مرحلة ما قبل المحاكمة من خلال تعريض أغلبيتهم للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ولأساليب التعذيب والترهيب من أجل إجبارهم على الاعتراف على جرائم ملفقة وذلك قبل عرضهم للمحاكمة.

بالإضافة إلى الانتهاكات المصاحبة للمعتقلين أثناء محاكمتهم والتي تفتقد لشروط المحاكمة الطبيعية وهي حق المتهم في الدفاع عن نفسه أو توكيل من ينوب عنه في هذه المهمة، بالإضافة إلى ظروف الاحتجاز اللاآدمية طوال فترة المحاكمة التي تنتهي فصولها بالحكم إما بالمؤبد أو الإعدام في غياب تام لمبدأ استقلالية القضاء ونزاهته.

 

حصانة ضد العدل!

يفترض أن يشكّل القضاء في أي دولة ضمانة للعدالة وحفظ الحقوق لأصحابها، لكن الأمر ينقلب إلى النقيض عندما يتحول القضاء والقضاة إلى أدوات بيد العسكر، عندها يختل ميزان العدالة ويعم الظلم والفساد الذي يقود إلى الانهيار في النهاية.

وقام السفاح السيسي بتحصين المسؤولين العسكريين من الملاحقة القضائية عن الجرائم المرتكبة، بما في ذلك القتل الجماعي للمتظاهرين في عام 2013.

فقد أصدر برلمان العسكر الذي تهيمن عليه المخابرات بشقيها العسكري والعامة في يوليو 2018 قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة (رقم 161/2018) بمنح الضباط العسكريين ذوي الرتب العليا حماية وحصانة دبلوماسية ضد الملاحقة الجنائية، بما في ذلك المقاضاة الدولية، بشأن أي فعل ارتكبوه بين 3 يوليو 2013 و 8 يونيو 2014.

وأصدرت عصابة الانقلاب هذا القانون في ضوء مخاوف محددة بشأن الإجراءات الدولية لإدانة ضباط قوات الأمن المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية قبل وبعد انقلاب السفاح السيسي العسكري، بما في ذلك مذبحة رابعة التي راح ضحيتها قرابة الـ 5000 معتصم، فضلا عن عمليات قتل أخرى للمتظاهرين.

وبموجب قوانين ابتدعها العسكر، لا يجوز اتخاذ أي تحقيق قانوني أو إجراء قضائي ضد أي عسكري ما لم يأذن بذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ولأن السفاح السيسي يستحوذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء، نظرا لسيطرته على البرلمان يفصل القوانين على مقاس العسكر، فبات يتولى كل السلطات، خصوصا في ظل نفوذه داخل أروقة السلطة القضائية، وهو ما بدا في الأحكام السياسية بحق رافضي الانقلاب، وأولهم الرئيس الشهيد محمد مرسي.

وسارع السفاح السيسي إلى إصدار قانون لمكافحة الإرهاب، تمكن من تصنيف أي شخص على أنه إرهابي بحسب اتهامات معارضيه، ولن يتورع عن إصدار أي قانون أو تشريع يخدم مصلحته في الصراع الدائر في مصر، منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد مرسي، من دون رقيب له ولقراراته.

ويؤكد المختصون أن القضاء كان من أهم المؤسسات التي ساعدت قادة الانقلاب ومهدت الطريق لهم، حيث غض الطرف عن قيم العدل والحق، وأعمل سياط الانتقام والتشفي والكيل بمكيالين، وليس أدل على سقوط السلطة القضائية في اختبار العدالة بعد الانقلاب أكثر من تحقيقها الرقم القياسي في اصدار أحكام بالإعدام بشكل جماعي ودون تهم حقيقية أو أدلة.

ويختار العسكر قضاة حاقدين على المجتمع مثل ناجي شحاتة،  وعشرات غيره من قضاة العسكر امتدادا للحالة الأمنية الخطيرة التي تهمين على مصر، وهو من أعداء ثورة يناير، ويمنح الغطاء القانوني لانتهاكات حقوق الإنسان إلى الدرجة التي دفعت دبلوماسيا غربيا إلى وصفه بأنه "خارج عن السيطرة تماما"، فهو يحكم بالإعدام ويهدد محامي الدفاع ويمنع أهالي المعتقلين والمحامين من حضور الجلسات، ويوبخ المحامين ولديه هواية "إرسال الرؤوس إلى المقصلة"، فالمعتقل عنده مجرم لا تثبت براءته.

وجميع القضايا التي حكم بها "شحاتة" تنقصها الأدلة، والإجراءات السليمة والشفافية، والأحكام التي يصدرها مسيسة دائما، وهو لا يُخفي تأييده للسفاح السيسي، وأنه مستعد للحكم بإعدام مصر كلها، إذا كان ذلك في مصلحة السفاح السيسي وعصابة الانقلاب.