بين طاغية ونصاب.. أهم دلالات المؤتمر الصحفي للسيسي وماكرون

- ‎فيتقارير

مسرحية عبثية تلك التي جرت اليوم الإثنين 28 يناير 2019م، في المؤتمر الصحفي للطاغية عبد الفتاح السيسي، زعيم الانقلاب العسكري، ونصاب فرنسا إيمانويل ماكرون، الذي يزور القاهرة حاليًا لمدة 3 أيام، بدأت أمس الأحد وتنتهي غدا الثلاثاء، والذي وجه انتقادات ناعمة لسياسات القمع الفاشية التي يمارسها نظام العسكر في مصر منذ انقلاب 03 يوليو 2013م.

وصْف انتقادات ماكرون بالناعمة والمهذبة هو لفظ خفيف للتعبير عن الحقيقة، فما جرى فعلا هو أقرب للمسرحية المتفق عليها بين الطاغية والنصاب، ذلك أن الهدف من الزيارة هو صفقات السلاح وضمان باريس دعم السيسي لسياساتها في ليبيا ضد سياسات إيطاليا، وقد أكد ماكرون المعاني الآتية:

أولا: الاستقرار والسلام الدائم يسيران جنبا إلى جنب مع احترام الكرامة الفردية وسيادة القانون، ولا يمكن فصل البحث عن الاستقرار عن مسألة حقوق الإنسان.

ثانيا: نصح قائد الانقلاب بأن صورة مصر قد تتضرر بسبب أوضاع حقوق الإنسان.

ثالثا: أكد ماكرن أن نشاط المجتمع المدني أمر حيوي، لكنه اعتبر ما يجرى من قمع ممنهج في مصر هو «حالات فردية» له عليها بعض الملاحظات، وأن وجود مجتمع مدني قوي في مصر هو أفضل حاجز ضد التطرف.

رابعا: لا محادثات بشأن عقود عسكرية خلال اجتماعي مع السيسي، وصفقة المقاتلات ستناقش خلال الشهور المقبلة، وهو ما يأتي في سياق تخفيف حدة الانتقادات التي تلاحق فرنسا بشأن بيع صفقات سلاح تستخدم في قمع المصريين منذ انقلاب 2013م.

وتجاهل ماكرون أن هناك رئيسًا منتخبًا ديمقراطيًّا يقبع في سجون العسكر، ولم يشر إليه مطلقا، لا لشيء سوى أنه ينتمي إلى الإسلاميين، ولو كان علمانيًّا لكان لماكرون موقف آخر أكثر تشددا. كما تجاهل عشرات الآلاف من الوزراء ونواب البرلمان المنتخبين ديمقراطيًّا بعد ثورة 25 يناير، كما تجاهل كذلك أن ثمة حوالي 100 صحفي وإعلامي في سجون السيسي يواجهون أبشع الانتهاكات، وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية التي قررها القانون والدستور.

تصريحات ماكرون في المؤتمر الصحفي جاءت مخففة؛ لأن تصريحات قبل الوصول إلى القاهرة كانت أكثر صرامة، حيث قال في تصريحات هامشية: أعتقد أن المثقفين والمجتمع المدني في مصر يعتبرون السياسات الحالية أشد صرامة منها في عهد مبارك (أطاحت به احتجاجات شعبية في 2011). مضيفا: ماكرون: لا يمكنني أن أفهم كيف يمكنك التظاهر بضمان الاستقرار على المدى الطويل في هذا البلد، الذي كان في لب انتفاضات الربيع العربي وتذوق طعم الحرية. ويتساءل ماكرون: كيف تتصور أن بإمكانك الاستمرار في التشديد بما يتجاوز المقبول أو المبرر لأسباب أمنية؟. أعتقد أنه أمر متناقض ويضر مصر نفسها. وتابع: ماكرون: في مصر، لا نتحدث فقط عن المعارضين السياسيين المسجونين، ولكن أيضًا عن المعارضين الذين هم جزء من المناخ الديمقراطي التقليدي ولا يشكلون خطرًا على النظام.

الرد الصادم

أما رد السيسي فقد جاء صادمًا كعادته، ويعكس النظرة الدونية لمصر وشعبها باعتبارهم ليسوا بشرا يستحقون الحياة الكريمة والعدالة المنشودة، بل هم درجة أدنى من الأوروبيين الذين يتمتعون برفاهية الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، والتي تعد في تصورات السيسي من الرفاهيات المدمرة للدولة، والتي يتوجب الحرب ضدها. وهو المعنى الذى تكرر على لسان السيسي قبل ذلك، عندما تعرض لانتقادات خلال زيارته لألمانيا منذ 3 سنوات.

وجاءت ردود السيسي على النحو التالي:

أولا: مصر “ليست كأوروبا أو أمريكا” وأن الدولة “لن تقوم بالمدونين”، ستقوم بالعمل والجهد والمثابرة، مدعيًا أن “المدونين يتحدثون بلغة ثانية غير الواقع الذي نعيشه، لا نريد اختزال حقوق الإنسان في مصر في آراء مدونين، هدم الدولة أمر ثانٍ”.

والاختلاف بين الدول وبعضها أمر طبيعي، العالم كله لا يسير على نهج واحد، التنوع الإنساني أمر طبيعي وسيستمر، ومحاولة تغييره إلى مسار واحد غير جيد. رغم أن ماكرون يطالبه فقط باحترام حقوق الإنسان ووقف ممارسات الظلم والقمع المتواصلة بوحشية، وبذلك فإن السيسي يرى أن الطريق لاستقرار مصر يمضي عبر تواصل القمع والظلم وانتهاك حقوق الإنسان.

ثانيا: يتحجج السيسي بوحشيته المفرطة وقمعه الدموي بعدة شماعات، منها الزيادة السكانية، حيث قال: “إن مصر بها 100 مليون شخص، استقرارهم مهم جدًا”، كما استخدم شماعة التصدى للدولة الدينية “الإسلامية” في مصر” وهي أكذوبة؛ لأن الإسلام أساسًا لا يعرف ما يسمى بالدولة الدينية، فليس في الإسلام أي كهنوت كما في الكنيسة، وليس لرجال الدين سلطة على أحد، وليس بين المسلم وربه وساطة كما في الكهنوت المسيحي، إضافة إلى أن طبيعة الدولة في الإسلام مدنية تقوم على اختيار الشعب لحكامه وخلعهم إذا أساءوا الحكم واستغلوا مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية تتعارض مع مصالح الدولة.

ثالثا: هدد السيسي أوروبا بفوضى في مصر وحرب أهلية سوف تؤثر بشدة على أوروبا عبر  موجات من الهجرة غير الشرعية، مضيفا: “لا نريد إعادة ما حدث سابقًا في المنطقة، عندما تعصف بالدولة المصرية حرب أهلية ماذا كانت ستفعل الدول الأوروبية؟ لكن السيسي تجاهل أن ممارساته وسياساته القمعية تقود فعلا نحو هذا السيناريو الكارثي.

رابعا: ادعى السيسي أنه لا يقبل أن يستمر في منصبه إذا لم تكن هناك إرادة مصرية، زاعما “ولو رفضني الرأي العام سأتخلى عن موقعي فورا”. رغم أن السيسي قضى على الرأي العام ولم يعد هناك إعلام مستقل، بل مجموعة من الطبالين يصفقون له ليل نهار، ودمر الحياة السياسية، وهمّش المجتمع المدني والنقابات، وسيطرت أجهزته الأمنية على كل شيء، فأين هو الرأي العام الذي يتحدث عنه السيسي؟ وهل هم شرذمة المذيعين والصحفيين الموالين له؟! كما أن السيسي يتجاهل فضيحة مسرحية الرئاسة الماضية، حيث أقصى أي منافسة جادة من جانب الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق، وجاء بكومبارس من عصابته ليقوم بدور المرشح الكومبارس، وهي فضيحة من العيار الثقيل كانت مثار سخرية العالم كله.

خامسا: حاول السيسي تبرئة فرنسا من دعم قمعه واستبداده قائلا: “الأسلحة الفرنسية تستخدم فقط في مكافحة الإرهاب وحماية حدود مصر. لم نستخدم أية مدرعات فرنسية في قمع المتظاهرين منذ العام 2011م”، وبذلك يعترف السيسي بقمع المظاهرات لكن ليس بمدرعات فرنسية، لكن ربما بمدرعات دولة أوروبية أخرى. رغم أن منظمات حقوقية رصدت مدرعات فرنسية الصنع في قمع المظاهرات بين سنوات 2013 و2015م. وهو ما قوبل بانتقادات حقوقية حادة من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها.

سادسا: يكرس زعيم الانقلاب تصوراته المشوهة عن حقوق الإنسان، مطالبا بعدم وجوب اختزال حقوق الإنسان في مصر بقضايا تؤدي لهدم الدولة. مدعيا أنه يتوجب مناقشة قضايا حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وهو مفهوم يلغي الحريات والعدالة وحرية التعبير عن الرأي وحرية المجتمع المدني، وضمان محاكمات عادلة واستقلال جهات التحقيق والقضاء، وأن يكون الجميع سواء أمام القانون، فكل هذا يتم العصف به في مقابل وهْم يسمى بالمفهوم الشامل لحقوق الإنسان، والذي لا يعني في ذهن السيسي شيئًا سوى القضاء على معارضيه تحت أكذوبة ما تسمى بالحرب على الإرهاب، ومواجهة وهْم ما تسمى بالدولة الدينية، في إشارة إلى “الدولة” التي تحتكم إلى مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ما يؤكد أن وظيفة السيسي والمؤسسة العسكرية المخطوفة من جانب كبار الجنرالات هي ضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية والغربية، ومنع نشوء أي نظام ديمقراطي صحيح، ووأد أي توجهات نحو أسلمة النظام الذي ينخر فيه الفساد والظلم والفشل، ويتحكم فيه شرذمة من الفشلة ومعدومي القدرة والأخلاق.