“حصان” أردوغان يحاصر “عسكري” السيسي في رقعة ليبيا

- ‎فيتقارير

لا يملك نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي سوى المكايدة السياسية، كمحاولة بائسة للرد على مواقف أنقرة الحازمة ضد تحركات العسكر، وفضح ممارسات عصابة 30 يونيو في المحافل الدولية، إلا أن هذا الأداء الرخيص من جانب القاهرة أدى إلى التخبط في مسارات تضر بالأمن المصري وتسبب الكثير من الضرر إلى الاقتصاد المهترئ.

تحرك السيسي لإلحاق الضرر بتركيا قاده صوب تشكيل تحالف ولد مبتسرا إلى جانب قبرص واليونان، في تطبيق عملي للمثل الشعبي “اتلم المتعوس على خائب الرجاء”، وعمد الثالوث البائس إلى ترسيم الحدود البحرية، من أجل إعادة توزيع كعكة الغاز في شرق المتوسط وبحر إيجه، وتوجيه صفعة إلى أنقرة.

غير أن سحر العسكر انقلب على الساحر؛ حيث أسفر توجه السيسي غير المدروس إلى إهدار حقوق مصر في حقول البحر المتوسط، ومنح الكيان الصهيوني الحق القانوني في السيطرة على حقول غاز مصرية تقدر قيمة إنتاجها بـ140 مليار دولار، فضلا عن التنازل عن جزء من مياهها الإقليمية لصالح اليونان لاستغلاله في إقامة خط لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أثينا.

وكشف نايل الشافعى، الخبير الجيولوجي بمعهد ماساتشوستس للتقنية، عن أن العسكر تنازل عن شريط مائى مساحته ضعف دلتا النيل لصالح اليونان، بغرض منح هذا البلد منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو، فيتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص.

وأشار الشافعي إلى أن هذا الإجراء من جانب السيسي يسمح لليونان بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلى بين تل أبيب وأثينا دون أن تدفع الدولة العبرية أي رسوم لمصر، مشددا على أن هذا التوجه هو مطلب صهيوني بالأساس، لكي لا يمر أنبوب غازها في مياه مصرية.

الرد التركي

لم يلتفت النظام السيسي لحالة الجدل التي أثارتها اتفاقية العار في أوساط الانقلاب، وأخذت حكومة الانقلاب على عاتقها الدفاع المستميت عن ترسيم الحدود، من أجل التضييق على تركيا، على غرار ما حدث في فضيحة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، من أجل تدويل المضايق، ومنح إسرائيل حرية الملاحة في البحر الأحمر.

غير أن أنقرة لم تهتز لمكايدة العسكر البائسة، التي لا تخدم مصر بقدر ما تحقق أهداف صهيونية، لترد بتحريك سفينة التنقيب التركية «فاتح» في خليج أنطاليا، وكذلك سفينة «باربروس» لتبدأ العمل في منطقة بحرية قريبة بين مصر وتركيا، فيما اكتفى ثالوث التحالف المبتسر بالصراخ والتهديد الهس.

وأعلنت تركيا، بشكل حاسم، على لسان وزير خارجيتها مولود تشاوش أوغلو، عدم الاعتراف باتفاقية 2013، مشددا على “رفض بلاده الاعتراف بقانونية الاتفاق الذي وقعته مصر وقبرص للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، والتخطيط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرقي المتوسط.

وفي فبراير من العام المنصرم، اعترض قطع بحرية تركية، سفينة الحفر “سايبم 12000” التابعة لشركة “إيني” الإيطالية، والتي كانت في طريقها للوصول إلى مياه قبرص في البحر الأبيض المتوسط للتنقيب بحقل غاز في منطقة متنازع عليها بين قبرص اليونانية وتركيا.

ترسيم حدود

الموقف التركي من ترسيم الحدود الثلاثي، قابله تحريك مقابل وغير متوقع، بترسيم حدود آخر مع طرابلس، بعدما أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أمس الأول، توقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري، وذلك بعد لقاء جمع رئيس حكومة المعترف بها دوليا، فائز السراج، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة أنقرة.

زيارة السراج الرسمية لتركيا ضمن وفد حكومي وأمني رفيع، جاءت بمباركة أمريكية، للرد على المد الروسي في ليبيا بدعم مصري إماراتي، ليعلن أردوغان خلالها دعم بلاده لحكومة الوفاق في مواجهة ما تتعرض له العاصمة طرابلس من عدوان طاول المدنيين والمنشآت المدنية، مشددًا على رفض بلاده للتدخل الخارجي في الشأن الليبي، وأن حل الأزمة لن يكون عسكريًا، وأنه لا بد من دعم جهود المبعوث الأممي، غسان سلامة، للعودة إلى المسار السياسي.

وتفاوتت ردود الأفعال على التحرك التركي، حيث اعترف خليفة الحداد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، أن “حكومة الوفاق عملت بدبلوماسية عالية للاستفادة من المصالح التركية في ليبيا؛ عبر مسارين، أمني يهمّ الحكومة وبحري يهمّ تركيا”.

وأشار الحداد إلى أن رئيس أركان القوات البحرية التركية، جهاد يايجي، دعا في كتاب أصدره الشهر الماضي عنوانه “ليبيا جارة تركيا من البحر” حكومة بلاده لعقد اتفاق مع ليبيا لتحديد المناطق الاقتصادية التركية في البحر المتوسط، شارحًا الأسس القانونية والمبررات للاتفاق.

ونقل الحداد عن الكتاب أن القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في المجال البحري شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أمريكي، التي توفر لتركيا من الغاز الطبيعي ما يكفي حاجتها لمدة 572 عاماً، واحتياجات أوروبا لـ30 عاما.

ويضيف الحداد أن السراج استغل الموقف الأميركي من الوجود الروسي، وأسرع إلى تمتين العلاقة مع الجانب التركي بعد التراخي الإيطالي وتراجع إيطاليا عن دعمها لحكومته، مؤكداً أن “الاتفاق سيتيح لتركيا أن تتحرك بشكل شرعي وقانوني؛ فالاتفاق له سند قانوني ومبني على اتفاق سابق بين ليبيا وتركيا، صدّق عليه البرلمان عام 2013”.

صراخ العسكر

تحرك الحصان التركي المرن على رقعة الساحة المتوترة في الشرق الأوسط، ضمن رؤية واضحة للدفاع عن مكتسبات الربيع العربي والمسار الديمقراطي في الشرق الأوسط، قابله ترنح من جانب العسكري المصري، ليكون الصراخ والعويل هو المحصلة المؤسفة، حيث أعلن وزراء خارجية الانقلاب واليونان وقبرص، رفضهم الاتفاق التركي الليبي المعلن حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

واعتبر التحالف الثلاثي أن الاتفاق التركي الليبي في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية يتعدى صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، رغم أنه يمثل الحكومة المعترف بها دوليا، زاعمين أن الاتفاق لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال.

تخبط السيسي وقراراته المتعثرة كلف مصر خسائر تلمس باليدين، بداية من التخلي عن ثروات الوطن في البحر المتوسط، والتنازل عن مساحات من المياه الإقليمية لصالح اليونان وقبرص والكيان الصهيوني، فضلا عن تنفيذ أجندة عبرية معلنة تصب في صالح الاحتلال، والأهم أنها لم تحقق الهدف من مكايدة تركيا وتقويضها، بل منح أنقرة الفرصة لمناورات عززت نفوذها في المتوسط وفرض واقعا، أحالت ترسيم الحدود الثلاثي إلى ورقة لا تملك قيمة الحبر الذي كتبت به.