خراب وغلاء وديون وقمع وفساد وسجون وإعدامات.. ثورة دي ولا انقلاب؟

- ‎فيتقارير

ارتبطت كلمة “انقلاب عسكري” بصورة ضباط دمويين متعطشين للسلطة، وجهوا رصاصهم للإطاحة بالنظام القائم وتولوا الحكم إلى الأبد، أشهرهم عبد الناصر والسيسي. وجنرالات فاسدون آخرون في أمريكا اللاتينية وبعض دول إفريقيا، وصلوا للسلطة بدماء متفرقة ليلعبوا في دموية أدوار الطغاة.

وفي تقرير نشرته صحيفة “واشنطون بوست” الأمريكية، تساءلت: هل ما حدث في الثالث من يوليو 2013 انقلاب أم ثورة؟، ويعترف السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في مقابلة سابقة مع الصحيفة ذاتها، بأن ما حدث في 30 يونيو كان مخططا له، وتم بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، متمثلة في وزير دفاعها، بعد ذلك اعترف السفيه مرة ثانية أمام إحدى فضائيات الانقلاب، بأن ما حدث في 30 يونيو كان مدبرا، بل ومعدا له من قبل الأحداث بفترة طويلة، فهل لمؤيدي الانقلاب عقول يعقلون بها وآذان يسمعون بها أم رانت البيادة على قلوبهم؟

وفي معرض إجابته عن سؤال محاوره “أسامة كمال”- عبر لقاء تلفزيوني مسجل في برنامجه القاهرة 360 – سأل “كمال”  عن الأسباب وراء جملة “أنا مبخافش.. ومن يقف في 30 يونيو و3 يوليو مابيخافش”، وهي جمل سبق وأن ذكرها السفيه السيسي في خطبة له بمناسبة افتتاح “فنكوش” المليون فدان بالفرافرة، فأجاب بوضوح: “الموضوع لم يبدأ في 30 يونيو، الموضوع بدأ قبل ذلك بكثير”.

انقلاب السفيه

وفي الثالث من يوليو 2013، انقلب وزير الدفاع في ذلك الوقت الفريق عبد الفتاح السيسي، على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر محمد مرسي، واحتجزه في مكان غير معلوم، وعطّل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وأنصار الشرعية أحيلوا بعد ذلك إلى المحاكمة، وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.

ويذكر المراقبون أن الضغوط التي تعرض لها الرئيس محمد مرسي بلغت ذروتها في 2013، ونظمت أذرع الانقلاب بمباركة أمريكية وخليجية وأوروبية سلسلة من المظاهرات باركها الجيش، تطالب الرئيس المنتخب بالتنحي، أطلق عليها القائمون على الانقلاب لاحقا اسم ”ثورة 30 يونيو”، وزعموا أنها تماثل ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بـ”مبارك”.

وألقى الرئيس “مرسي” خطابا لم يرضِ ساسة البيت الأبيض، وأثار الخطاب الذي امتد لساعتين ونصف الساعة سخط إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعدما دافع الرئيس الخارج عن بيت الطاعة الصهيوأمريكي عن شرعيته، ودعا للحوار وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والمصالحة الوطنية.

تلقفت أذرع الانقلاب السياسية التي كانت تلتحف بعباءة المعارضة خطاب الرئيس، ورفضت الاستجابة لدعوته، وألقى محمد البرادعي بيان “جبهة الإنقاذ” التي كانت في تواصل دائم مع السفارة الأمريكية في القاهرة، وقال إن خطاب محمد مرسي “عكس عجزًا واضحًا عن الإقرار بالواقع الصعب الذي تعيشه مصر بسبب فشله في إدارة شئون البلاد منذ أن تولى منصبه قبل عام”. وتمسكت الجبهة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

قمع وغلاء

وتنتقل أوضاع المصريين من سيئ إلى أسوأ، منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، حيث سخط الشعب المصري من الأوضاع التي يمر بها من جراء سياسات حكومة الانقلاب في مختلف القطاعات، حيث تقمع سلطات الانقلاب حرية الرأي.

وطالت القبضة الأمنية الشديدة، كل الداعين لتظاهرات 30 يونيو 2013 والمعارضين للانقلاب العسكري، وأوصد الانقلاب الحياة السياسية تماماً؛ إذ كان الاعتقال والتنكيل مصير من حاول المنافسة في مسرحية الانتخابات الرئاسية التي فاز بها السفيه السيسي في مارس الماضي، فضلا عن إقرار قوانين تجرم التظاهر تصل للمحاكمة عسكريا.

ويقبع الرئيس المنتخب محمد مرسي ومساعدوه، منذ الانقلاب عليه، قيد الاعتقال التعسفي الفردي، ويعانون انتهاكات جمّة نددت بها منظمات حقوقية دولية، واكتظت السجون ومقرات الاحتجاز بالمعتقلين رجالا ونساءً وأطفالا، من كافة الانتماءات السياسية، قدرتها منظمات حقوقية بما يزيد على 45 ألف معتقل، ونُفذ حكم الإعدام بحق 32 شخصا في قضايا سياسية، وصدرت أحكام إعدام بالجملة بحق المئات من الأشخاص بينهم سيدات.

ارحل يا سيسي

وعلى الصعيد الاقتصادي، يؤكد الخبراء دوما أن الاقتصاد المصري ما يزال حبيس أطماع العسكر، وأنه يشهد انهيارا كبيرا؛ إذ تمشي مصر على خطى شروط صندوق النقد الدولي، وعليه اتخذت حكومات العسكر عدة قرارات تقشفية، شملت رفع الدعم عن المحروقات والخدمات ورفع أسعار وسائل النقل وتذاكر مترو الأنفاق، فضلا عن قرار تحرير سعر الصرف الذي يوصف بأنه القشة التي قصمت ظهر الاقتصاد المصري.

بالإضافة إلى هذا، تعاني مصر أزمة مائية على إثر فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، وبعد خمس سنوات من الانقلاب العسكري، وفي بداية ولاية الاستيلاء الثانية للسفيه السيسي تصدر هاشتاج على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” حمل عنوان “ارحل يا سيسي”، كان تعبيرا واضحا عن سخط الشارع من جنرال الانقلاب والسياسة التي اعتمدها في إدارتها.

ويصف الناشط محمد عباس، العضو السابق في ائتلاف شباب الثورة، الأوضاع منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 بـ”السيئة والمزرية”، مؤكدا أن الانقلاب يتعمد إفقار الشعب بإحكام سيطرة صندوق النقد على البلاد، مؤكدا أن “الفساد مستشرٍ بالدولة المصرية؛ فكبار الرجال هم من يسيطرون على الدولة واقتصادها”.

وبيّن عباس أنه لا مجال للمقارنة بين ما يعيشه المصريون الآن، والأوضاع قبل انقلاب الثالث من يوليو 2013، متابعا: “من هم على رأس النظام الحالي يسعون لملء جيوبهم وإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير”، وأعرب عن اعتقاده بأن “الداعين لتظاهرات 30 يونيو والمشاركين فيها لم يحققوا أهدافهم منها، بل إنها أنتجت حكما عسكرياً فاشيا وفاسدا؛ ما دفع البعض منهم للتراجع عن موقفهم”.

قضاء فاسد

وفي السياق ذاته، وصفت مسئولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور، سلمى أشرف، الوضع الحقوقي في مصر بـ”المنهار وغير الموجود”، مؤكدة أن الوضع في مصر يتحول من سيّئ إلى أسوأ كل عام، وقالت أشرف: “للأسف اعتاد المصريون على الانتهاكات وعيشهم في دولة الخوف تحت رهبة الاعتقال الدائم أو القتل”.

وأشارت إلى أنه “مع زيادة الانتهاكات الحقوقية، أصبح الملف المصري محط اهتمام أكبر من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان دوليا، خاصة لدى الأمم المتحدة”، وأوضحت أن 300 توصية قُدمت لمصر، خلال الاستعراض الدولي الشامل، عن الانتهاكات “الجمّة” التي يتعرض لها المصريون على كافة الأصعدة.

وشددت على أن “الانتهاكات الحقوقية التي يعيشها المصريون منذ خمس سنوات لم تحدث في عهد أي من رؤساء مصر السابقين؛ فقرارات الإعدام تصدر في خلال جلسات من خمس دقائق، وتنفذ وتنتهي حياة الكثيرين ظلما في محاكم ظالمة على يد جلادين لا قضاة”.

وأشارت أشرف إلى أن “الانتهاكات التي تُمارس بحق الصحافة والصحفيين وحجب المواقع واعتقال الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق مقراتهم تُعد مقصله لحرية الرأي والتعبير بمصر”.

وتابعت تقول: “النظام الحالي تعمد في خلال الخمس سنوات الماضية إسكات الجميع من خلال القبضة الأمنية الشديدة واعتقال عشرات الآلاف وترويع الآمنين”، واستنكرت التعتيم الإعلامي عن الانتهاكات الحقوقية التي “يمارسها الجيش والشرطة” بحق أهالي سيناء من قتل وتدمير واعتقال عشوائي، وكذلك التضليل حول خسائر الدولة المصرية بسيناء.

وذكرت أن النظام “يستخدم الدراما لتبرير ما يحدث ضد الأبرياء وتزييف الحقائق”، مشيرة إلى أنه بسبب المعاناة التي يعيشها المصريون منذ الانقلاب العسكري، وبعد خمس سنوات عادت عبارة “ارحل يا سيسي” لتتصدر مواقع التواصل الاجتماعي.