«قهوجي».. مصير القامات التعليمية بعد المعاش في جمهورية بلحة

- ‎فيتقارير

الخوف الحقيقي لدى المصريين يتعلّق بما هو منتظر من موجة ارتفاع سنوية تظهر ملامحها، مطلع الشهر المقبل، وقد اعتاد الشعب منذ انقلاب 30 يونيو 2013 أن يُصدم سنويًّا بموجة ارتفاع في الأسعار، وكان يمهد لها سابقًا بتسريب أخبارها؛ جسًّا للنبض وتبديدًا لطعم المفاجأة.

ويرى اقتصاديون أن الزيادة في الأسعار مرتبطة أيضًا بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويشير الخبير الاقتصادي ممدوح الولي إلى أنه يتحتم على النظام الالتزام بإجراءات عديدة، منها خفض دعم الكهرباء والمشتقات البترولية وزيادة حصيلة خدمات حكومية؛ حتى يحصل على شهادة التزام من قبل الصندوق في نوفمبر الماضي.

ويعتبر الولي أن الزيادة المرتقبة في أسعار مختلف السلع والخدمات ستكون مؤثرة بشكل كبير في حياة المصريين، وأنّ توقيتها يتزامن مع ركود ناجم عن ضعف الطلب، وأنها ستزيد على نسب الزيادة بأجور الموظفين والمعاشات من يوليو الماضي.

الأستاذ نصر

ومن المطحونين بنيران الأسعار والغلاء وضعف المعاشات، المواطن “نصر.م”، الأستاذ ومدير إدارة التعليم الفني سابقًا، والذي سلك خطًّا شريفًا طوال وجوده في الوظيفة، وكان يرفض تلقي الرشاوى والفساد، وكان جزاؤه بعد وصوله إلى المعاش وتخطيه سن الـ60 عاما، العمل كقهوجٍّي في أحد المقاهي الشعبية.

من جهته قال عمرو الدريري، رئيس تحرير بوابة الأهرام الرياضية: “الأستاذ نصر مدير إدارة التعليم الفني سابقًا يعمل حاليًا في مقهى بسبب ضعف المعاش من ٥٠٠٠ آلاف إلى ١٦٠٠ جنيه.. التصوير والحديث بناء على طلبه حتى تشعر الحكومة بالعذاب الذي يشعر به أصحاب المعاشات في ظروف الحياة، بعد ٣٧ سنة خدمة وفي نهاية العمر بدل من الراحة والتكريم.. يخدم على الطرابيزات”.

ويذهب الولي إلى أن الجهات الرسمية ستستمر في إعلان نسب تضخم تقل عن الواقع لتخفيف أثر التضرر المجتمعي، غير أن ذلك لن يحِدَّ من مواصلة تحمل المصريين كلفة الزيادات السعرية رغما عنهم دون اعتراض، في ضوء البطش الأمني لمن يعلنون تذمرهم.

ويظهر رصد لـ”الحرية والعدالة” أن أسعار السلع الغذائية التي تستحوذ وحدها على ما يقرب من 40 في المائة من إنفاق المصريين، قفزت بنسبة تصل إلى 300 في المائة في العديد من السلع، كما قفزت أسعار المنتجات البترولية بما يقرب من 800 في المائة، والكهرباء بنحو 400 في المائة، فضلا عن استبعاد ملايين المواطنين من دعم البطاقات التموينية.

وفي مقابل هذه الزيادات، خرجت حكومة الانقلاب في يوليو الماضي لتعلن زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه شهريا، وهو مبلغ يكفي بالكاد الاحتياجات الأساسية فقط لأسرة مكونة من فردين بالِغين وفق البيانات الحكومية.

وينقل الناشط والطبيب خالد عمارة تحذير مجلة “ميدل إيست مونيتور” من آثار ارتفاع التضخم في مصر، خلال الفترة الأخيرة، التي توقعت معها موجة جديدة من الغلاء الشديد بسبب تناقص العرض وزيادة الطلب خاصة على المواد الغذائية.

ويذهب الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين، إلى أن حالة التضخم التي أصابت الاقتصاد المصري لها دور في جره إلى حالة ارتفاع الأسعار التي بدأت وما زالت مستمرة، في ظل عدم مواكبة حقيقية لرفع مداخيل المواطنين، بما يتناسب مع هذا الارتفاع.

ويرى شاهين أن هذه الزيادات تؤدي إلى ما يسميه الاقتصاديون “انخفاض الدخل الحقيقي”، وقال إنه سيقلل استهلاك المواطنين ويؤدي إلى كساد في الاقتصاد ويزيد من حجم التضخم، مما سيكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد.

وفي المقابل، يرى أنه لا خيار أمام المصريين سوى الرضا بالزيادات والتعايش معها، رغم ما ستحدثه من انتقال طبقات اجتماعية لشرائح اقتصادية أقل، وتدهور قطاع الأعمال وبيئته في مصر.

سؤال للعصابة

ويشير الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، إلى أن دراسات علمية تؤكد أن رفع أسعار الوقود والكهرباء سيؤدي إلى ارتفاع جديد وكبير في أسعار السلع والخدمات، رغم أن أسعار الوقود والكهرباء لن تزيد إلا بنسب ضئيلة تتراوح بين 3 إلى 5%.

ويراهن عبد المطلب على قدرة حكومة الانقلاب على ضبط الأسواق وزيادة المعروض من السلع، لتحقيق استقرار كلي في الاقتصاد المصري بسرعة، والتخفيف من أثر زيادات الأسعار.

وعلى مدار نحو ست سنوات، اتبع جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي إجراءات مؤلمة للفقراء ومتوسطي الدخل في الدولة التي يعيش أكثر من ثلثها تحت خط الفقر، حيث تعاقبت قرارات رفع الأسعار بشكل غير مسبوق لمختلف السلع والخدمات، متجاهلة تحذيرات الكثير من المحللين من تداعيات هذه السياسة على استقرار البلاد.

ولطالما ارتبط سؤال: كيف ينفق المصريون رواتبهم بأذهان كثيرين في ظل الغلاء الفاحش؟ وهو ما دعا المقاول والفنان محمد علي إلى طرح السؤال ذاته في أحد تسجيلاته المصورة، التي أربكت عصابة السيسي على مدار ما يقرب من شهر.

فقد وجّه المقاول سؤالا للسفيه السيسي وحكومته والإعلاميين المؤيدين للنظام، حول كيف تعيش أسرة مصرية مكونة من 4 أفراد بالحد الأدنى للأجور الذي حددته الدولة بنحو 2000 جنيه شهريا، وكيفية إنفاق هذا المبلغ على البنود المعيشية الرئيسية من طعام وسكن وعلاج وتعليم وتنقل وغيرها.

وحتى الآن لم يخرج مسئول واحد من العصابة، ليجيب عن السؤال الذي ظل ملازما لملايين الأسر على مدار الشهر تلو الآخر خلال السنوات الست الأخيرة، قبل أن يوجهه المقاول إلى زعيم عصابة الانقلاب.

وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء “الحكومي”، في يوليو الماضي، حول الدخل والإنفاق والاستهلاك للعام المالي 2017/ 2018، اتضح أن الأسرة المكونة من فردين بالغين وطفلين تحتاج إلى 2691 جنيها، فيما تحتاج الأسرة المكونة من فردين بالغين وثلاثة أطفال إلى 3225 جنيها في الشهر.

وبحسب التقرير، فإن النسبة الكبرى من رواتب المصريين تذهب في بند الطعام والشراب بمعدل متوسط 37.1 بالمائة، ثم 18.6 بالمائة إلى المسكن ومستلزماته، ثم الخدمة والرعاية الصحية بنسبة 9.9 في المائة، والتنقلات بنسبة 6.1 بالمائة، ثم الملابس بـ 4.8 بالمائة.

وأشار التقرير إلى أن نسبة الفقراء، خلال ذلك العام، هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت معدل 32.5 بالمائة، مقابل 27.8 في المائة في تقرير 2015، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه المعدلات كثيراً.