“الاختيار”..  أيهما أولى بعمل درامي سعد الدين الشاذلي أم “المنسي”؟

- ‎فيتقارير

مسلسل "الاختيار" أحدث مسلسلات الانقلاب العسكري، لكن هذه المرة ليست لفنان مشهور أو شخصية سياسية خدمت الانقلاب، لكنه لأحد قتلى القوات المسلحة، وعلى غير المعتاد لم تكن الشخصية من واقع ملفات المخابرات العامة، مثل جمعة الشوان ورأفت الهجان، لكن الفارق هو أن السيرة الذاتية للعقيد أحمد المنسي، الذي جاء من رحم المجهول وجعلت منه دراما المخابرات أيقونة قوات الصاعقة، بعد مصرعه في عملية مسلحة استهدفت كتيبته في رمضان 2017، ضمن الإرهاب الذي يقوده نجل السفيه السيسي في سيناء.

وبينما يتم تجاهل أبطال قدموا تضحيات كبيرة لمصر أمثال الفريق سعد الدين الشاذلي، جاء الإعلان عن تصوير مسلسل "الاختيار" من بطولة أمير كرارة في دور المنسي، ومعه أحمد العوضي في دور ضابط الجيش السابق هشام العشماوي، بدأت مرحلة جديدة من الصراع، حيث رفضت أسرة المنسي تناول سيرة ابنها في عمل درامي، في وقت لم يلتفت فيه أحد لذلك الموقف.

يقول الصحفي والإعلامي الصهيوني إيدي كوهين: "يذكر التاريخ أن فخامة الرئيس حسني مبارك حبس قائد الجيش المصري الذي حاربنا في يوم "كيبور" سعد الدين الشاذلي حبسا انفراديا.. وكذلك حبس فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي نائب الشاذلي الفريق سامي عنان.. كل من حاربنا تم سجنه"!.

مجرد مزحة

وبحسب محمد المنسي- شقيق العقيد أحمد المنسي- لم يأخذ أحد رأي الأسرة في العمل الدرامي الذي يتناول سيرة نجلهم، مؤكدا- عبر منشور على فيسبوك- أن الأسرة ظنت في البداية أن الأمر مجرد مزحة، لكن بمرور الوقت ثبت أنه صار واقعا مؤكدا، وهو ما تسبب في إصابة والدة العقيد الراحل بضرر نفسي شديد.

من جهته يقول الكاتب الصحفي حسن عاشور على صفحته بالفيس بوك: "والله كلام مستفز جدا، في كل الدول اللي إنت بتتكلم عنها لازم العمل ينجح ويحقق أرباح، لكن أنا مش متخيل عمل يبيكون مثلا 100 مليون، وفي الآخر إيراداته بتكون 10 ملايين، الفرق الكبير ده بيروح فين، والخسارة دي بتكون إزاي وبالرغم من كدة السوق مستمر؟".

وتابع: "النماذج اللي مكتوية كتركيا وأمريكا، العمل الواحد فيهم بيكسر الدنيا وبيحقق مكاسب ضخمة، خد عندك مثلا هو ذكر تركيا مشروع زي مسلسل أرطغرل كان بيتذاع في أكثر من 20 دولة تقريبا وحقق إيرادات ضخمة، ولما الجزء السادس حسوا إنه بيفشل احتمال المسلسل يتلغي، الإفلام والمسلسلات التركية بيكون الفيلم تكلفته 400 مليون وبيحقق مليار دولار".

وأضاف: "أما موضوع العرض والطلب وإن الفنانين ليهم متابعين كتير، فأعتقد إن السوشيال ميديا قلبت الموضوع ده، خاصة في ظل إن الموجودين حاليا أضعف مما نتخيل يعني استحالة نقارن واحد ذي أحمد عز أو أمير كرارة بأحمد زكي ومحمود عبد العزيز مثلا" .

وأوضح عاشور: "آخر نقطة في البيان كان عن الصلاة وإن الناس متغاظة، أيوه فعلا الناس مشتاقة للصلاة.. يعني يكون في تجمع لأنك تعمل مسلسلات عادي وذي الفل، وإن الجامع حرام وهو بينقل المرض. على فكرة فيه نقطة مهمة الاستثمار مع الله مفيش أفضل منه استثمار".

ثلاجة السيسي!

في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، التي نشرت في كتاب "مذكرات حرب أكتوبر" في طبعات مختلفة بداية عام 1978، يقول الشاذلي: "إنه لمن السذاجة أن يطلب القائد من جنوده التقشف، بينما هو يعيش عيشة مرفهة، إنهم سيسمعون، وأدبا سيسكتون، ولكنهم فيما بينهم سينتقدون ويستهزئون".

رسالة تتجاوز وقت الحرب إلى وقت السلام، وتعبر عن دور القائد أو المسئول في موقعه وكيف لا تتسق المطالبة بالتقشف مع واقع يعيش فيه المطالب في عالم من الرفاهية، ولا تتسق المطالبة بالقليل في وقت لا يقبل من في المناصب بالكثير، ولا تتسق فيه المطالبة بالقضاء على "الطابونة" وما يفترضه هذا من إعمال فكرة الحقوق والحريات، وتساوي الفرص مع عالم تسيطر فيه الحلقة الضيقة على السلطة والمال والنفوذ في كافة المجالات، ويتم الفرز في المجتمع حسب شبكة العلاقات والمصالح واستخداماتها.

يعيدنا الواقع من الشاذلي إلى حديث السفيه السيسي، بمناسبة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، التي غاب عنها ذكر أصل المعركة وإسرائيل، وركزت على الإسقاط على اللحظة، وهو يتحدث عما سماه بالحروب المعنوية التي تواجهها مصر، والمقصود عصابة الانقلاب بالضرورة، وفي القلب الديكتاتور بالتأكيد، ما دامت كل الطرق تؤدي إلى الديكتاتور، والدول لم تخترع إلا من أجل الديكتاتور، كما تتصور كل عصابة انقلاب تغيب عن خطابها مفردات الحرية والديمقراطية، ويتكرم الشخص بالقبول بالديكتاتور والاستيقاظ المبكر من أجل التفكير في مصالح الشعب، أو كيفية استقطاع المزيد من أجل ترسيخ مظاهر وآليات الحكم والسلطان.

ولجأت أسرة "المنسي" إلى القضاء، وبعكس ما يحدث مع باقي المسلسلات، لم تنشر وسائل الإعلام أي معلومة عن الدعوى القضائية التي أقامتها أسرة الضابط الراحل ضد المسلسل وصناعه، ولم يستجب القائمون على المسلسل بالامتثال أمام النيابة بعد استدعائهم مرتين، بحسب ما يرويه شقيق المنسي.

ورفعت الأسرة الدعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة لسرعة البت في القضية وإيقاف تصوير المسلسل، لكن القضاء كان له رأي آخر، حيث تم تحويل القضية إلى محكمة عادية، رغم استيفاء القضية جميع الاشتراطات التي تتطلبها محكمة الأمور المستعجلة.

ليست المفاجأة الوحيدة

لم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة، لكن دفاع محامي المسلسل شكك في عدم وجود صلة بين المنسي وأمه التي تم رفعت الدعوى باسمها، وأن على المحكمة التأكد من أن نجل صاحبة الدعوى القضائية هو نفسه العقيد أحمد المنسي.

كما أكد شقيق المنسي أن المحامي اعتذر للأسرة بعد الجلسة، مؤكدا أنه لا يملك من الأمر شيئا، ومضيفا أن صناع العمل الدرامي مستعدون لدفع أي مبلغ لإنهاء القضية.

يقول الناشط هاني صبحي:" اللي عاصر لمة الناس حوالين دموع في عيون وقحة_ رأفت الهجان_ أبناء الصمت_ الطريق إلى إيلات هو بس اللي هيعرف الفرق بين الحالة النفسية والمعنوية للمتلقي بين دول وبين الاختيار.. إحنا مصريين يا إخوانا.. الفطرة السوية بتقول إن الحالة المزاجية كانت لازم هتكون واحدة قصاد أي عمل بيمجد بطولة أو بيحكي عن شيء بيدعو للفخر وبيكرس للوطنية والاعتزاز.. بديهي وكل العالم بيعمله".

مضيفا: "اللي صنع الفرق باختصار هو أنه ظهر عناصر جديدة مكانتش موجودة "الاستقطاب"، "الانقسام"، "الشرذمة"، "الضبابية".. الناس زمان كانت بتتلم حوالين المسلسل وبوصلتها واحدة.. مصدقة، فخورة، مبسوطة.. حتى لو فيه أصوات كارهة متطرفة كانت دايبة ومختفية في وسط العقل الجمعي وحاطة لسانها جوه بؤها وكافية خيرها شرها.. العدو زمان في الدراما كان واحد.. معروف ومحدد".

مضيفاً: "العدو دلوقتي بقى وجهات نظر.. العمل نفسه دلوقتي متعرفش طالع منين وموجه مكايدته السياسية لمين ..العمل طالع يمجد الجيش .. جميل ومين يكره إن جيشه يبقى أحسن جيش في العالم ورجالته تبقى اشجع رجال الكون.. ما هو مؤسسة قوامها إحنا الشعب .. لكن مين العدو من وجهة نظر صناعه؟ هل هم الإخوان؟ ولا أي تيار إسلام سياسي؟ ولا الإرهاب والجماعات المسلحة؟ طب ما صناعه برضه بيعتبروا دومة وعلاء عبد الفتاح وماهينور المصري وزياد العليمي وحسام مؤنس وغيرهم أعداء.

موضحا أن "المسلسل قد يكون رائعا ومميزا معرفش.. بس جمهوره متفتت ما بين ناس مسجونة وأهاليهم عايشين محرومين منهم.. وناس شاركت في ثورة لازال الدستور على الورق معترف بيها وفي الحقيقة صناع الدراما والسياسة والإعلام بيعتبرهم خونة ومتآمرين وكانوا عايزين يسقطوا الدولة.. وبيكرهوا "جيش مصر" لمجرد أنهم طالبوا بحكم مدني".

وأضاف صبحي: "المنسي وعشماوي.. الاتنين راحوا لربهم.. بس راحوا بسرهم عشان المشاهد والمواطن عايش في ضبابية وعدم شفافية وغياب المعلومة… قاعدين متفرجين وخلاص واللي يتقالهم كله بيقول آمين.. معسكر يتقال له المنسي رحمه الله بطل وشهيد، ومعسكر يتقال له عشماوي فدائي ومظلوم وبرضه شهيد.. وناس قاعدة محتاسة في النص ما بين الاتنين بيتنشقوا على الحقيقة وبيلعنوا اللي كان السبب في أنهم فقدوا شغف الفرجة على الدراما من أصله الاستقطاب.. لعن الله الاستقطاب.. رجعولنا مصر بتاعة زمان بس واحنا نتفرج من سكات والله.. احنا شعب بيحب الحياة وبيحب جيشه الوطني لأنه منه وبيه.. ورحمة الله على كل شهيد سقط في سبيل الوطن والحرية، سواء مدني أو عسكري".

يعيدنا مسلسل "الاختيار" والحديث عن شخصية مجهولة، إلى الشاذلي الذي أكد أنه لا ينتظر أن يمنح "وساما في الخفاء" ولكنه تقدير شعبي نابع من معرفة الشعب بالدور الذي قام به، وسبب الخلاف والاستهداف، مؤكدا أهمية معرفة الحقائق "مهما كانت مخجلة"، لأن الشعوب تتعلم من الأخطاء.

وبعيدا عن تفاصيل قضية الشاذلي، تبدو دراما رمضان 2020 واضحة الاختلاف في التعامل مع الجموع بوصفها شعبا يقرر بناء على حقائق ومعلومات، أو حشودا تشكل بناء على جهود معلبة، وخطابا لا يقوم على أن الشعب أساس السلطات، ولكن على أنه أساس التفويض.