سر النجاح في فضيلة الترك والقدرة على الإقلاع

- ‎فيمقالات

بعد تخرجي في كلية الطب عملت فترة طبيبا في شركة بترول إيطالية اسمها شركة ((إيني سايبم )). 
وكان موقع الحفر يتغير من عمق البحر الأحمر حيث نهبط بطائرات مروحية علي سطح الحفار أو في عمق الصحراء الغربية فيما يسمى بوادي جهنم حسبما كانت خطة التنقيب عن البترول.
وكان المكان مجهزا من طعام وشراب.
بل وحمام سباحة وقاعة تشبه الكافيتيريا فيها الدش ووسائل الترفيه، وكان الأفراد خليطا من الإيطاليين وهم المسئولون في الشركة والمصريون المتعاقدون من مهندسين للبترول والعمال، فى إحدى الأمسيات لم يكن للناس حديث إلا عن مباراة الليلة بين الفريق الإيطالي في نهائي بطولة أوروبا والذي سيذاع العاشرة مساء وتوقعات الفوز بالبطولة أو الخسارة.
وكان الجميع محتشدا في القاعة ( اسمها تافيرنا بالإيطالي).
وعند بدء نقل المباراة فوجئت بقيام سينيور (فينيولي) مدير الموقع وكل المساعدين والعمال الإيطاليين ومغادرة ( التافيرنا).
وذهابهم لحجراتهم للنوم كما اعتادوا كل ليلة ،حيث يستيقظون في السادسة صباحا ويتناولون الفطور ويبدءون العمل في السابعة تماما.
ولم يبقِ في ( التافيرنا) إلا المصريون فقط والذين سهروا أمام شاشات التلفزيون لمشاهدة المباراة والوقت الإضافي وتوزيع الكأس والميداليات ولم يخلدوا إلي النوم إلا في الثانية صباحا.
في اليوم الثاني شاهدت الإيطاليين يقبلون على عمالنا بشغف يسألونهم عن نتيجة المباراة، وقد أبدوا سعادتهم الغامرة بفوز فريقهم وتبادلوا التهاني بعضهم البعض.
وسألت سينيور فينيولي لماذا تركتم المباراة المهمة وهي لفريق بلدكم وذهبتم للنوم؟
فقال متعجبا "وكيف اسهر وعندي عمل في الصباح الباكر يحتاج مني للراحة والتركيز ؟
وقال بإنجليزية متلعثمة أنا أكون واقفا فوق البرج ممكن لحظة (هوب داون فينيتو مورتو) أقع من البرج أموت وانتهي.
الحقيقة هذا الموقف لفت نظري لسر هام جدا من أسرار النجاح في الحياة.
(النجاح والتفوق ليس مرهونا بقدرة الإنسان علي الجهد والعمل والبذل بقدر ما يتوقف علي قدرته على الإقلاع عند الحاجة عما يضره، أو ترك مالا نفع فيه عند الضرورة ).
والنجاح في الحياة كله مرهون بتلك المعادلة.
قوة إرادتك في الترك وقتما تريد رغم عوامل الإغراء والترغيب.
تريد تنفيذ برنامج لضبط الوزن الزائد.

قضيتك في الإقلاع عن الإسراف في الطعام وتنظيم مقاديره وأوقاته، ورفع اليد والنفس تشتهيه.
أهم كثيرا من البرامج الرياضية والأدوية وحرق الدهون.
حتى في الدين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فانتهوا ، قضية محورية أساسية لا مفاصلة فيها، ثم ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم.
وفي علوم الفقه يقول بن رجب الحنبلي إن "تعفف المرء عن درهم من حرام أحب إلي الله تعالى من إنفاقه ألف ألف درهم من حلال".
ويقول الرجل العالم الصالح عبد الله التسترى "أعمال الخير يقوم بها الجميع ، البر والفاجر ولكن ترك المعاصي لا يقدر عليها إلا أصحاب العزم من التقاة الورعين".

الدرس التربوي للدعاة
سر النجاح في فضيلة الترك وقوة إرادة الإقلاع أكثر منها في الفعل و بذل الجهد أو العمل الدءوب والمشقة المتواصلة".