بعد هروب الأسرى المدهش.. مسلسل عبري يناقش تفكك “إسرائيل”

- ‎فيتقارير

تخشى تقديرات موقف إسرائيلية من تداعيات هروب 6 أسرى فلسطينيين من شجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة، وسط توقعات بأن ذلك قد يفضي إلى اندلاع انتفاضة جديدة استنادا إلى أن عملية الهروب المدهشة عززت ثقة الفلسطينيين بأنفسهم، لا سيما وأن جاءت في أعقاب حرب الأقصى  الأخيرة التي كشفت قدرة فصائل المقاومة على إيذاء إسرائيل وإصابتها بالشلل بسبب تطوير منظومة الصواريخ التي باتت أبعد مدى وأكثر تدميرا.

اللافت أن  هناك مسلسل عبري باسم "أوتونوميوت" يتناول قضية الصراع الديني العلماني داخل المجتمع الإسرائيلي، محذرا من أن يؤدي ذلك إلى تفكيك المجتمع الإسرائيلي. يتكون المسلسل من ست حلقات، باللغتين العبرية والييدشية، وتدور أحداثه في عالم ما بعد "الحرب الأهلية الإسرائيلية"، على افتراض حدوثها في العام 1989، بحيث تعود الأحداث لتتأزم بسبب معركة انتزاع حضانة طفلة حريدية تعيش مع أسرة علمانية بسبب خطأ وقع في المستشفى عند ولادتها، وتتفجّر الأحداث بعد اختطاف الطفلة بأمر من الحاخام الأكبر.

يضع هذا المشهد المشاهد في جوٍّ من التأهّب، لمتابعة علاقة غير مسبوقة بين طرفين لا يُمكن تجاهل الصراع بينهما على أرض الواقع، لا سيّما فيما يتعلق بموضوع الجيش وتجنيد المتدينين في صفوفه. ويتضّح لاحقاً من خلال الأحداث أن قرار التجنيد الإجباري للحريديم في صفوف الجيش الإسرائيلي، وفرض المنهاج الإسرائيلي "العلماني" في المعاهد الدينية- "الييشيفوت"، كانا السبب الرئيس لإشعال الشارع بمظاهرات تطوّرت بشكل عنيف أدّى إلى سقوط العديد من القتلى، وانتهت بانفصال الحريديم عن الدولة الصهيونية العلمانية، وإنشاء منطقة "حكم ذاتي" خاصة بهم عاصمتها القدس، مُحاطة بجدار يفصلها عن الدولة العلمانية، ويشترط الدخول والخروج منها الحصول على إذن خاص- "تصريح"، والخضوع إلى تفتيش دقيق. ويعرض المسلسل انقسام الدولة الصهيونية وتفكّكها نتيجة للصراع الأيديولوجي، وتورّط الأذرع الرسمية للدولة في أعمال العنف، إضافة إلى تعنّتها وغطرستها. وتظهر الدولة العلمانية ومنطقة الحكم الذاتي الحريدي وكأنهما عالمان مختلفان، ويبدو التنقّل بينهما وكأنه مرور عبر الزمن.

في المقابل فإن عملية هروب الأسرى الستة تمثل مشهدا واقعيا جرى تناوله في مسلسل فلسطيني جرى إنتاجه سنة 2014م باسم "الروح" وكم هو عجيب حقا أن عملية الهروب التي جرت مؤخرا من سجن جلبوع المحصن هي مشهد من المسلسل الفلسطيني الذي يتحدث عن هروب الأسرى عبر أنفاق تحت الأرض حفروها لسنين طويلة حتى تمكنوا من الهرب وانتزاع حريتهم.

المقارنة بين العملين الدراميين تكشف مستقبل كل طرف في الصراع؛ فإسرائيل تتجه نحو التفكك والضياع وزوالها حتمي وفق سنن الله في الخلق والمجتمعات. والفلسطينيون يضربون أروع مثل في الثبات وانتزاع الحرية من احتلال سرطاني مدعوم من العالم كله.

 

تفكك إسرائيل حتمي

يعزز من عوامل التفكك والفوضى أن المجتمع الصهيوني منذ نشوئه في عام 1948 بعد احتلال فلسطين، لم يقم على أسس ومعايير سليمة كبقية المجتمعات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، فهو مجتمع استيطاني إحلالي تشكل من مهاجرين من أكثر من 100 دولة في العالم. ومنذ اليوم الأول من تأسيسه، حمل هذا المجتمع في داخله بذور الانقسام والصراع المجتمعي، تعود إلى الاختلاف في الهويات، والانتماءات الثقافية، والفكرية، والجغرافية، والمجتمعية بتعدد الدول التي انتقل أو ينتقل منها اليهود إلى الأراضي الفلسطينية، وهذا ما ظهر جليا في ظهور تباينات مجتمعية تحت مسميات مختلفة في مختلف مراحل حياة الكيان الصهيوني، فحسب الأصول ينقسم المجتمع الصهيوني بين "الإشكنازي"، و"السفارديم" و"الفلاشا"، وكذلك سياسيا منقسم بين اليمين واليسار والوسط، وفكريا ودينيا هناك متدينون (حريديم) وعلمانيون، وقوميا وعرقيا هناك مسميا اليهود والعرب.

إلى جانب اليهود المتفرقين بين تلك التسميات، والذين يشكلون 80 بالمائة من المجتمع الإسرائيلي، يعيش داخل ما تعرف بـ "إسرائيل" (فلسطين المحتلة 1948) أكثر من مليون و500 ألف فلسطيني، يشكلون 20 بالمائة من عدد سكانها. يُنظر إلى هؤلاء الفلسطينيين كأعداء، رغم أنهم يُعدون حسب القوانين الإسرائيلية مواطنين إسرائيليين.

يعزز من عوامل التفكك أيضا تزايد أعداد المتدينين المتطرفين وتراجع اليسار، هذا التراجع الذي بدأ في سبعينات القرن الماضي حينما فاز حزب الليكود اليميني، وأنهى بذلك تفرد حزب العمل بالحياة السياسية تقريبا، استمرت وتيرته بشكل سريع ومتواصل، حيث أكدت نتائج استطلاع نشره معهد "داحاف" الإسرائيلي في آذار 2011، ارتفاع نسبة اليهود الذين يعدون أنفسهم يمينيين، من 48% في 1998 إلى 62% في 2010. ولعل ظهور حركات سياسية يمينية متطرفة، مثل "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، و"البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت، ودخول هذه الأحزاب الكنيست الإسرائيلي، يؤكد صحة ما ذهبنا إليه ونتائج هذه الاستطلاعات في توجه المجتمع الصهيوني نحو اليمين العنصري المتطرف.

هذه الحالة من التصدع في كافة المستويات في المجتمع الإسرائيلي، تصفها الكاتبة اليهودية ياعيل دايان ابنة موشي دايان في كتابها المعنون بـ"وجه المرأة" بشكل أدق، حيث تقول: "ما بين التصدع القومي والتصدع الديني والطائفي والطبقي، تتشكل عوامل انهيار دولة "إسرائيل" في المستقبل، أو على أقل تقدير دخولها في دوامات الصراع الداخلي… نحن نعيش فوضى مطلقة في مجتمعنا".