قتلى ميكروباص ريجيني.. هل يقتص الله لهم على يد القضاء الإيطالي؟

- ‎فيتقارير

بدأت في إيطاليا محاكمة 4 ضباط مصريين كبار في عصابة الانقلاب العسكري، غيابيا؛ لاتهامهم بالضلوع في إخفاء طالب الدراسات العليا الإيطالي "جوليو ريجيني" وقتله في القاهرة عام 2016، وزعمت عصابة الانقلاب في بادىء الأمر أن ريجيني لقى حتفه في حادث طريق، قبل أن تقول لاحقا إن "تشكيلا عصابيا خطفه، وإن الشرطة ألقت القبض على أفراده لاحقا وقتلتهم".

وكان ريجيني يجري بحثا عن النقابات العمالية المستقلة في مصر لرسالة الدكتوراة الخاصة به، ويقول مقربون إنه "كان مهتما أيضا ببحث هيمنة الجيش على الاقتصاد المصري، والموضوعان لهما حساسية خاصة عند عصابة الانقلاب".

واختفى ريجيني، الذي كان طالب دراسات عليا بجامعة كامبريدج البريطانية، في القاهرة يناير 2016، وعُثر على جثته بعد أسبوع تقريبا ليُظهر تشريحها تعرضه لتعذيب قاسٍ وضرب مبرح أدى إلى وفاته".

 

كبش الفداء

خمس جثث غرقت في دماء أصحابها صباح الخميس 24 مارس  2016 داخل سيارة أجرة ميكروباص، في أحد شوارع القاهرة الجديدة، خمسة أشخاص لن يتكلموا ثانية، ولن يردوا أو يدلوا بأي اعترافات في الاتهامات الموجهة إليهم بأنهم عصابة تخصصت في خطف الأجانب.

ولمحت "ريجيني ليكس" المنصة الإلكترونية لتورط الابن الأكبر للسفاح السيسي "محمود" بمقتل الطالب الإيطالي ريجيني من خلال موقعه في جهاز المخابرات العامة.

وبعد المجزرة التي ارتكبتها عصابة السفاح السيسي في عام 2016 بحق خمسة مواطنين مصريين أبرياء، اتهم أقرباء الشبان المقتولين شرطة الانقلاب بـتصفية أبنائهم بطريفة بشعة، مؤكدين أن الشرطة لم تبقِ شاهدا واحدا لسرد الحقيقة.

وفي حين أكّدت "رشا" التي فقدت زوجها وشقيقها ووالدها في حادثة الميكروباص التي أودت بحياة المصريين الخمسة، على أن ذويها قُتلوا بغير وجه حق وعلى خلفية تهمة لم يرتكبوها وقالت آية خطيبة أحدهم "سنقاضي وزير الداخلية وعقيد الشرطة الذي كان مسئولا عن حملة الميكروباص"، لكن أيا من هذا لم يكن ليحدث في دولة يحكمها الإرهاب العسكري.

قال إعلام السفاح السيسي إن "عصابة قُتل جميع أفرادها في الصباح  في تبادل نيران مع الشرطة،  قبل أن يربط الاتهام الرسمي في المساء بينها وبين خطف وقتل جوليو ريجيني، الطالب الإيطالي الذي ضجت المسافة بين القاهرة الغارقة في الانقلاب وروما بالجدل حول حقيقة ما جرى له، منذ العثور عليه قتيلا بآثار تعذيب بعد عشرة أيام من اختطافه في 25 يناير 2016".

الثغرات الواسعة التي حفل بها الاتهام، بدءا من الاختلاف بين الصور الشابة للجثث والأعمار العجوزة التي ذكرها البيان الرسمي، مرورا بجثة إضافية مجهولة لم ترد في البيان الرسمي الذي اتهم أربعة فقط ولم يعرفها ولم يعرّف عنها أحد، وصولا بالأسئلة المنطقية عن سبب احتفاظ العصابة في بيت شقيقة أحد أعضائها بكافة بطاقات ومتعلقات بل ونقود جوليو ريجيني دون إنفاقها، وحتى هواتفه المحمولة ونظاراته الشمسية.

فيما رآه الكثيرون أقرب إلى "أحراز" رسمية منه إلى مسروقات، فضلا عن عقلية عصابة الانقلاب في التلفيق بعد وضع كل ذلك في حقيبة عليها علم إيطاليا، ما أضاف بعدا كاد يكون كوميديا لولا مأساوية الأمر كله، وأدى إلى اندهاش الطليان أنفسهم من هذا الكشف، الذي لم يحل شيئا من القضية التي لا تزال بعيدة تماما عن الإغلاق.

وأعلنت النيابة في عصابة الانقلاب وقتها أنها تحقق في واقعة الحصول على متعلقات ريجيني في شقة بشبرا الخيمة تقطن فيه سيدة منضمة للتشكيل.

وذكرت النيابة أن أعضاء التشكيل العصابي الخمسة قتلوا أثناء اشتباه الشرطة بهم حال استقلالهم سيارة ميكروباص فتبادلوا مع القوات إطلاق النيران؛ ما أسفر عن مقتل راكبي السيارة، وعددهم 5 متهمين، تبين أنهم ذات الأشخاص المطلوب ضبطهم وإحضارهم.

ولزوم التلفيق الفج المفضوح ذكرت النيابة في عصابة الانقلاب أنها أجرت معاينة لموقع الحادث فور إخطارهم بالواقعة، حيث أسفرت المعاينة عن العثور على بندقية آلية ومسدس عيار 9 مل بجوار جثث المتهمين، وعدد من فوارغ الطلقات بالسيارة التي كانوا يستقلونها أثناء واقعة الضبط، كما تبين وجود آثار إطلاق أعيرة نارية بسيارة الشرطة.

وقالت النيابة إن "المتهمة ر. س التي عثر بمسكنها على متعلقات ريجيني، اعترفت بدورها بإخفاء تلك الأشياء الخاصة بشقيقها المتهم المقتول، إلا أن كل هذه الوقائع المزعومة تراجعت عنها عصابة الانقلاب في النهاية لأنها محض كذب، بينما ذهبت أرواح الأبرياء الخمسة هباء منثورا في مغامرة للعسكر".

 

تشوش وارتباك

وأشارت رشا إلى قيام الإعلامي، أحمد موسى، بنشر صور شقيقها "سامح" وهو يمسك سلاحا آليا، ووصفه بأنه مسجل خطر، موجهة كلامها لموسى "تحب أقولك الصور دي جتلك إزاي؟ الصورة دي اتسربتلك من تليفون زوجي صلاح الذي تتحفظ عليه الداخلية".

وتابعت في رسالتها لأحمد موسى "لو كان عندك ضمير انشر الصورة كاملة، قائلة إن الصورة كانت لشقيقها مع أحد العساكر الذين كانوا يؤمنون انتخابات الرئاسة، وعقبها قام بإرسالها لزوجها، قائلا له "شوف رجالة جيشنا".

هذه الثغرات وغيرها، دفعت عصابة الانقلاب إلى التراجع والانغماس في شراء رضا روما بالصفقات الاقتصادية والعسكرية الضخمة، وحتى تهريب الآثار المصرية إلى عصابات إيطاليا، فصرح أحد مسئولي الأمن في عصابة الانقلاب بأن الداخلية قالت فقط إنها وجدت متعلقات الإيطالي مع العصابة، ولم تتهم العصابة نفسها بقتل الإيطالي، وهو تراجع جاء بعد آخر سبقه بساعات، نفى الربط بين الإيطالي والعصابة فور الإعلان عن مقتلها.

وهو الربط الذي عاد ليتم تبنيه رسميا في بيان المساء، قبل التراجع عنه جزئيا في اليوم التالي، قد يكون ذلك تشوشا وارتباكا لعصابة الانقلاب في الأداء، أو ربما تعمية مقصودة، في القضية التي كان يتم التندر بخصوصها بأنها الوحيدة التي لم يتم فيها حظر النشر بعد، ربما لما فيها من بعد دولي.

وأيا كان، فإن تصفية جميع المتهمين بلا استثناء، يزيد من أصابع الاتهام ولا يقلل منها، لقد توجهت تلك الأصابع في قضية ريجيني  نحو عصابة الانقلاب بداية بسبب سجلها المروّع في الاستهانة بالحياة الإنسانية، ومن ثم، يصعب فهم السبب الذي دعا تلك العصابة للظن  بأنها ستخرج من ذلك الاتهام، عبر تقديم المزيد من الجثث.