كيف عصف تراجع تحويلات المصريين بالخارج  بقرض صندوق النقد؟

- ‎فيتقارير

بذل نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي جهدا كبيرا  حتى نجح في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في إبرام اتفاق ثالث مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022م  بقيمة ثلاثة مليارات دولار في إطار "تسهيل الصندوق الممدد"، وحسب بيان الصندوق حينها فإنه من المتوقع  أن يشجع تسهيل الصندوق الممدد، على إتاحة المزيد من التمويل لصالح مصر من شركائها الدوليين والإقليميين".  وعلى مدار البرنامج (46 شهرا)، يُتوقع أن يشجع "تسهيل الصندوق الممدد" على إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر بقيمة 14 مليار دولار أمريكي تقريبا من شركائها الدوليين والإقليميين.  لكن  الشركاء الدوليين والإقليميين يتباطؤن في تقديم القروض لحكومة الجنرال؛ لأنهم يشترطون تعويما مستمرا للجنيه دون حماية حكومية وتقليص الدور العسكري في الاقتصاد.

وجاءت الضربة للسيسي من حيث لا يحتسب؛ فقد تراجعت تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 23%؛ حيث تراجعت خلال النصف الأول من العام المالي الجاري (202/2023) إلى 12 مليار دولار فقط وهي شهور(يوليو إلى ديسمبر 2022).  بينما كان في نفس الفترة من العام السابق نحو 15.6 مليارا بتراجع قدره "3.6" مليار دولار خلال نصف سنة فقط. معنى ذلك أن السيسي الذي يسعى إلى اقتراض 3 مليارات دولار خلال ثلاث سنوات يواجه تراجعا بأكثر من "7" مليارات دولار خلال سنة واحدة فقط! الأمر الذي يضرب النظام في مقتل.

 

شبكات دولية

 وفي مايو 2023م، تقدم النائب عن حزب "الإصلاح والتنمية" محمود عصام موسى بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، ووزير المالية محمد معيط، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، ووزيرة الهجرة سها جندي، ووزير القوى العاملة حسن شحاتة، بشأن استمرار تراجع تحويلات المصريين في الخارج، وتداعيات ذلك سلباً على الاقتصاد المصري. وحذر موسى من إحجام كثير من العاملين في الخارج عن عمليات التحويل في القنوات الرسمية، بسبب اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، ونشاط تجار العملة خارج البلاد، في وقت تمثل تحويلات المغتربين المورد الأكثر تأثيراً على تدفقات النقد الأجنبي في مصر. وأضاف النائب في طلب الإحاطة أن تجار العملة استطاعوا تكوين شبكات واسعة من المعاملات في دول الخليج خارج الإطار الرسمي، إذ يشتري التاجر الدولار من المصري المقيم في الخارج بسعر أعلى من البنوك الرسمية، ويسلم هذه الأموال بالجنيه إلى ذويه في مصر.

وتساءل النائب عن سر تراجع تحويلات المصريين بالخارج في هذا التوقيت؛ والتي وصلت إلى أعلى مستوى لها بنحو 31.9 مليار دولار في العام 2021-2022، غير أنها سرعان ما انخفضت بفعل التراجع الحاد في قيمة الجنيه، من جراء التوابع الاقتصادية الناتجة عن أزمة جائحة كورونا، والحرب الروسية في أوكرانيا. واعتبر تراجع تحويلات المصريين في الخارج لا يقلّ خطورة عن خروج مليارات الدولارات من "الأموال الساخنة" من البلاد خلال العام الماضي، ما يستلزم اتباع الحكومة سياسات واضحة تضمن استقرار تدفقات المغتربين، والعمل على زيادتها من خلال مراقبة حجم التحويلات، والمتغيرات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية التي تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في تراجعها.

وفقد الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022، بسبب مرور مصر بواحدة من أكبر أزمات العملة في تاريخها، ما دفعها إلى التوجه إلى صندوق النقد طلباً للحصول على قرض رابع بقيمة 3 مليارات دولار، بإجمالي قروض من الصندوق تبلغ 23.2 مليار دولار في أقل من 6 سنوات.

وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، تليها الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس على الترتيب. وتتجه قطاعات كبيرة من المصريين في الخارج إلى فك الدولارات التي بحوزتهم في السوق السوداء والتي يصل فيها سعر الدولار الوحد إلى أكثر من 40 جنيها بينما يصل سعره الرسمي في البنوك إلى "30.95 جنيها)، وهو فارق واسع يغري الناس بالتعامل مع السوق السوداء بعيدا عن البنوك الرسمية.

ويحقق سماسرة العملة الصعبة في الخارج منافع مزدوجة للمصريين المقيمين في الخارج والمستوردين في الداخل معاً، بعدما اضطر قطاع كبير من المصريين في الخارج إلى اعتماد قنوات غير رسمية لتحويلاتهم بعيداً عن المصارف الرسمية، تجنباً لسعر الصرف الرسمي الضئيل مقابل سعر صرف عالٍ في السوق السوداء، والاستفادة من فارق يصل إلى 10 جنيهات عن كل دولار. وهؤلاء السماسرة الذين ساعدوا المصريين في الخارج على تحويل أموالهم بمقابل أكبر من سعر التحويل الرسمي يؤدون مهمة أخرى على الجانب الآخر، وهي دفع هذه الدولارات للموردين الأجانب المتعاملين مع مستوردين مصريين عاجزين عن الحصول على الدولار من السوق الرسمية.

هذا التراجع الحاد في تحويلات المصريين بالخارج يضرب أي معنى للزيادة التي تباهت بها الحكومة في قطاع السياحة بنسبة 25% محققة نحو 7.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، وهو الرقم الذي يتآكل بسب انهيار التحويلات القادمة من الخارج والتى كانت دائما مؤشرا على القدرة على سداد الديون والوفاء بالالتزامات، حيث تعد تلك الحصيلة لسنوات طويلة هى الأكثر تأثيرا على تدفقات النقد الأجنبى فى مصر.

علاوة على ذلك فإن قرض صندوق النقد يسمح لإدارة الصندوق التدخل في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية لمصر  بما يفقد الدولة استقلالها وسيادتها الحقيقية على قرارها الوطني الذي بات مرهونا برضا مؤسسات التمويل الدولية. فقرض الـ"3" مليارات  المقسوم على 9 شرائح حتى سبتمبر 2026م يوجب مراجعة الصندوق للسياسات المصرية مرتين سنويا أولها تبدأ في شهر يونيو الجاري "23م"

مصر تتواجد  ضمن أعلى خمس دول متلقية للتحويلات المالية من الخارج، بحسب تقارير صادرة عن مؤسسات دولية حيث تمثل تحويلات المصريين فى الخارج 7% من إجمالى الناتج المحلى. فلا يجب النظر إلى تراجع تلك الحصيلة بالتجاهل ولابد أن تتم قراءته كمؤشر خطر يستحق الرصد والمتابعة وخلق الحلول، لكن حكومة السيسي تكتفي بالجلوس وراء المكاتب المكيفة دون خلق آليات وتواصل وعمل حقيقى يزيل الخطر ويحمي الأمن القومي على نحو صحيح وواع وضمير يقظ لكن هؤلاء أمسوا عملة نادرة هذه الأيام.