في الوقت الذي تتأزم فيه الصرعات الداخلية في ليبيا بين ممثلي الشرعية، بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس، والتي تعترف بها الأمم المتحدة والمنقلب على الشرعية المشير خليفة حفتر، الرجل الذي يأوي الميلشيات الخارجية والمرتزقة الروس، داخل ليبيا، ذهب الأول إلى تركيا لبحث استقرار المنطقة بينما، ذهب حفتر إلى عبدالفتاح السيسي طالبا دعما يهيج الاستقرار، ويهدد «مبادرة البعثة الأممية لحل الوضع القائم وإنهاء الانقسام والسير بالبلاد نحو الانتخابات».
فالنظام العسكري وفلول معمر القذافي يرغبان في الانقضاض بقوة السلاح على الدولة وإدارتها، وإعادة التدوير والعودة، والوقوف أمام الديمقراطية ما أدى لاندلاع حروب امتدت لسنوات، ورغم أن الحوارات السياسية للسلطة التنفيذية عام 2021، أوكلت مهمة إنجاز المصالحة الوطنية إلى المجلس الرئاسي الذي شكل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية بعد أربعة أشهر من توليه السلطة، لكن الخطوات الإيجابية لم تتجاوز حدّ تشكيل المفوضية، ودخل ملف المصالحة الوطنية في ساحة المناكفات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي.
ولا يتوقف الصراع بين أبناء الداخل، فدول مثل مصر والإمارات وروسيا تتدخل في ليبيا وتريد فرض هيمنتها لتحقيق مصالحها أو لأسباب أمنية، داعمة المشير حفترلمنع إقامة دولة ديمقراطية من خلال عدم إقامة دستور حقيقي مثل الذي فشل التصويت عليه في الاستفتاء الأخير.
التواجد الروسي
وبعدما نقلت روسيا أسلحتها ومرتزقتها من سوريا إلى ليبيا، وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد، رفض الدببة ما فعله المشير حفتر من إيواء تلك العناصر المجرمة بالأراضي الليبية مضيفا “لا يمكن أن نرضى أن تكون ليبيا ساحة تتقاطع فيها مصالح الدول الكبيرة والصغيرة”.
وأكد الدبيبة رفضه لأي تدخل أجنبي دون اتفاق رسمي، قائلاً: “لا أحد لديه ذرة من الوطنية يقبل بتدخل قوة أجنبية لفرض هيمنتها وسلطتها على البلد والشعب الليبي”، وأشار إلى أن التدخلات المقبولة تقتصر على الاتفاقيات المتعلقة بالتدريب أو التعليم أو التسليح، أما التدخل العسكري بالقوة فهو أمر مرفوض تماماً.
جاءت هذه التصريحات بعد تقارير حديثة تفيد بقيام القوات الروسية بنقل معدات عسكرية من قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية في سوريا إلى شرق ليبيا، حيث تدعم موسكو سلطات المشير خليفة حفتر هناك منذ سنوات.
يُذكر أن روسيا دعمت المشير خليفة حفتر في هجومه للاستيلاء على طرابلس في عام 2019.، ومنذ ذلك الحين تحافظ روسيا على علاقات وثيقة مع السلطات في شرق ليبيا.
تأجج الصراع
في الـ 7 يناير الجاري، أقر مجلس النواب الليبي خلال جلسة برئاسة رئيس المجلس عقيلة صالح بمدينة بنغازي شرق ليبيا بالأغلبية، مشروع قانون المصالحة الوطنية بعد استيفاء مناقشة ومداولة مواده، الأمر الذي رفضه المجلس الرئاسي الليبي واعتبره “تسييسا”.
المجلس الرئاسي دعا إلى “الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي (لعام 2021)، كأساس شرعي لتنظيم عمل المؤسسات السياسية وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع”، مؤكدا أن “إنجاح مشروع المصالحة الوطنية يتطلب تعاون كافة الأطراف لإرساء العدالة والسلم الأهلي“.
وفي 9 سبتمبر 2021، أعلن المجلس الرئاسي الليبي إطلاقه مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، وهي المهمة التي كلفه بها ملتقى الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بين أطراف النزاع الليبي في جنيف في يناي 2021، والذي انبثق عنه “الرئاسي” في 5 فبراير 2021، إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
لماذا يسارع حفتر لوأد المصالحة؟
الناشط المدني عقيلة الأطرش لا يرى انعقاد أي مصالحة وطنية في المستقبل المنظور، لأن الفاعلين الليبيين تورطوا بأعمال عنف وجرائم تجعل إنجاز المصالحة طريقاً لكشف تورطهم، لذا أرى أن أي قائد محلي لن يسمح بالمصالحة إلا إذا حصلت بحسب خططه، وتناسبت مع هدفه الرئيسي في الحصول على عفو عبر اتفاقات المصالحة.
مثلاً لن تحصل مصالحة وطنية بوجود قائد المليشيات في شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر لأسباب عدة، أولها أنه لا يرى نفسه في موقع تصالح ويتعامل بتعالٍ مع الجميع، والسبب الثاني أن المصالحة ستفتح ملفات فاضحة بالنسبة له، من بينها السجون والمغيبون قسراً فيها، ومجهولو المصير أو من جرت تصفيتهم علناً وسُلّمت جثثهم لذويهم.
ويؤكد الأطرش أن ملفات كبيرة لا تزال تقف في طريق المصالحة بسبب حجمها الخطر على شخصية حفتر وشخصيات أخرى، مثل ملف جرائم مقابر ترهونة وبنغازي ودرنة.
وتابع أنه على الأقل أصبح ملف جرائم مقابر ترهونة ملف رأي عام دولي، وستكون هناك عثرات حقيقية أمام أي جهود مبذولة للمصالحة، وإذا جرى تجاوز قضية المقابر الجماعية فنتائج أي مصالحة ستكون موضع شكوك لدى المؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية.